فصل: 873 - مَسْأَلَةٌ‏:‏ الإِحْصَار

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


869 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَلاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ‏,‏ وَلاَ لاِمْرَأَةٍ‏,‏ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ تَتَزَوَّجَ‏,‏ وَلاَ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ مِنْ وَلِيَّتِهِ‏,‏ وَلاَ أَنْ يَخْطُبَ خُطْبَةَ نِكَاحٍ مُذْ يُحْرِمَانِ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَيَدْخُلَ وَقْتُ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ‏,‏ وَيُفْسَخُ النِّكَاحُ قَبْلَ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ‏,‏ كَانَ فِيهِ دُخُولٌ وَطُولُ مُدَّةٍ وَوِلاَدَةٌ‏,‏ أَوْ لَمْ يَكُنْ‏;‏ فَإِذَا دَخَلَ الْوَقْتُ الْمَذْكُورُ حَلَّ لَهُمَا النِّكَاحُ وَالإِنْكَاحُ‏;‏ وَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَ زَوْجَتَهُ الْمُطَلَّقَةَ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ فَقَطْ‏,‏ وَلَهَا أَنْ يُرَاجِعَهَا زَوْجُهَا كَذَلِكَ أَيْضًا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ‏;‏ وَلَهُ أَنْ يَبْتَاعَ الْجَوَارِيَ لِلْوَطْءِ، وَلاَ يَطَأُ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ نَبِيهِ بْنِ وَهْبٍ‏:‏ أَنَّ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلاَ يُنْكَحُ، وَلاَ يَخْطُبُ وَهَذَا لَفْظٌ يَقْتَضِي كُلَّ مَا قُلْنَاهُ‏.‏

وَالْمُحْرِمُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْجِنْسِ وَيَعُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ‏,‏ وَمُرَاجَعَةُ الْمَرْأَةِ الْمُطَلَّقَةِ فِي عِدَّتِهَا لاَ يُسَمَّى نِكَاحًا‏;‏ لأَِنَّهَا امْرَأَتُهُ‏,‏ كَمَا كَانَتْ تَرِثُهُ وَيَرِثُهَا وَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا وَإِسْكَانُهَا‏,‏ وَلاَ صَدَاقَ فِي ذَلِكَ‏,‏ وَلاَ يُرَاعَى إذْنُهَا‏,‏ وَلاَ حُكْمَ لِلْوَلِيِّ فِي ذَلِكَ‏,‏ وأما بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهُوَ نِكَاحٌ لاَ مُرَاجَعَةٌ‏,‏ وَلاَ يَكُونُ إلاَّ بِرِضَاهُمَا وَبِصَدَاقٍ وَوَلِيٍّ‏.‏

وَابْتِيَاعُ الْجَوَارِي لِلْوَطْءِ لاَ يُسَمَّى نِكَاحًا‏,‏ وَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ النِّكَاحِ وَالإِنْكَاحِ وَالْخِطْبَةِ عَلَى الْمُحْرِمِ‏.‏

وَالْمُحْرِمُ هُوَ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ لِبَاسُ الْقُمُصِ‏,‏ وَالْعَمَائِمِ‏,‏ وَالْبَرَانِسِ‏,‏ وَحَلْقُ رَأْسِهِ إلاَّ لِضَرُورَةٍ بِالنَّصِّ وَالإِجْمَاعِ‏;‏ فَإِذَا صَارَ فِي حَالٍ يَجُوزُ لَهُ كُلُّ ذَلِكَ فَلَيْسَ مُحْرِمًا بِلاَ شَكٍّ‏,‏ فَقَدْ تَمَّ إحْرَامُهُ‏,‏ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا حَلَّ لَهُ النِّكَاحُ وَالإِنْكَاحُ وَالْخُطْبَةُ‏.‏

وَبِدُخُولِ وَقْتِ رَمْيِ الْجَمْرَةِ يَحِلُّ لَهُ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا‏,‏ رَمَى أَوْ لَمْ يَرْمِ‏,‏ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ إبَاحَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَقْدِيمَ الْحَلْقِ عَلَى الرَّمْيِ‏.‏

فَإِنْ نَكَحَ الْمُحْرِمُ أَوْ الْمُحْرِمَةُ فُسِخَ‏,‏ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَكَذَلِكَ إنْ أَنْكَحَ مَنْ لاَ نِكَاحَ لَهَا إلاَّ بِإِنْكَاحِهِ فَهُوَ نِكَاحٌ مَفْسُوخٌ لِمَا ذَكَرْنَا‏;‏ وَلِفَسَادِ الإِنْكَاحِ الَّذِي لاَ يَصِحُّ النِّكَاحُ إلاَّ بِهِ‏,‏ وَلاَ صِحَّةَ لِمَا لاَ يَصِحُّ إلاَّ بِمَا يَصِحُّ‏.‏

وأما الْخِطْبَةُ فَإِنْ خَطَبَ فَهُوَ عَاصٍ، وَلاَ يَفْسُدُ النِّكَاحُ‏;‏ لأَِنَّ الْخِطْبَةَ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهَا بِالنِّكَاحِ‏,‏ وَقَدْ يَخْطُبُ، وَلاَ يُتِمُّ النِّكَاحَ إذَا رُدَّ الْخَاطِبُ‏,‏ وَقَدْ يَتِمُّ نِكَاحٌ بِلاَ خِطْبَةٍ أَصْلاً‏,‏ لَكِنْ بِأَنْ يَقُولَ لَهَا‏:‏ انْكِحِينِي نَفْسَك فَتَقُولُ‏:‏ نَعَمْ قَدْ فَعَلْت‏,‏ وَيَقُولُ هُوَ‏:‏ قَدْ رَضِيت وَيَأْذَنُ الْوَلِيُّ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا فَأَجَازَ نِكَاحَ الْمُحْرِمِ طَائِفَةٌ صَحَّ ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏,‏ وَمُعَاذٍ وَقَالَ بِهِ عَطَاءٌ‏,‏ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ‏,‏ وَعِكْرِمَةُ ‏,‏ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ‏,‏ وَسُفْيَانُ‏,‏ وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ‏,‏ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَسْخُ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ إذَا نَكَحَ‏.‏

وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ قَالَ‏:‏ الْمُحْرِمُ لاَ يَنْكِحُ، وَلاَ يُنْكَحُ لاَ يَخْطُبُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلاَ عَلَى مَنْ سِوَاهُ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لاَ يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ إنْ نَكَحَ نَزَعْنَا مِنْهُ امْرَأَتَهُ‏;‏ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ‏,‏ وَأَصْحَابُهُمْ‏.‏

وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى نِكَاحَهُ جَائِزًا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ‏.‏

وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُمَا مُحْرِمَانِ وَكَذَلِكَ رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ‏,‏ وَعِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَعَارَضَهُمْ الآخَرُونَ بِأَنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حدثنا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ الأَصَمِّ ابْنِ أُخْتِ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ‏:‏ تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ حَلاَلاَنِ بِسَرِفَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَقَالَ مَنْ أَجَازَ نِكَاحَ الْمُحْرِمِ‏:‏ لاَ يَعْدِلُ يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ أَعْرَابِيٌّ بَوَّالٌ عَلَى عَقِبَيْهِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَقَالُوا‏:‏ قَدْ يَخْفَى عَلَى مَيْمُونَةَ كَوْنُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحْرِمًا‏,‏ فَالْمُخْبِرُ عَنْ كَوْنِهِ عليه السلام مُحْرِمًا زَائِدٌ عِلْمًا‏;‏ وَقَالُوا‏:‏ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَارِدٌ بِحُكْمٍ زَائِدٍ فَهُوَ أَوْلَى‏;‏ وَقَالُوا فِي خَبَرِ عُثْمَانَ لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلاَ يُنْكَحُ‏:‏ إنَّمَا مَعْنَاهُ لاَ يُوطِئُ غَيْرَهُ، وَلاَ يَطَأُ‏;‏ ثُمَّ اعْتَرَضُوا بِوَسَاوِسَ مِنْ الْقِيَاسِ عُورِضُوا بِمِثْلِهَا لاَ فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهَا‏;‏ لأَِنَّهَا حَمَاقَاتٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَكُلُّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ‏;‏ أَمَّا تَأْوِيلُهُمْ فِي خَبَرِ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَنَّ مَعْنَاهُ لاَ يَطَأُ، وَلاَ يُوطِئُ‏:‏ فَبَاطِلٌ وَتَخْصِيصٌ لِلْخَبَرِ بِالدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ صَرَفُوا كَلاَمَهُ عليه السلام إلَى بَعْضِ مَا يَقْتَضِيهِ دُونَ بَعْضٍ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ‏,‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ‏}‏‏.‏

وَيُبَيِّنُ ضَلاَلَ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ عليه السلام، وَلاَ يَخْطُبُ فَصَحَّ أَنَّهُ عليه السلام أَرَادَ النِّكَاحَ الَّذِي هُوَ الْعَقْدُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ هَذَا اللَّفْظَ بِلاَ نَصٍّ بَيِّنٍ‏.‏

وأما تَرْجِيحُهُمْ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى خَبَرِ مَيْمُونَةَ بِقَوْلِهِمْ‏:‏ لاَ يُقْرَنُ يَزِيدُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَنَعَمْ وَاَللَّهِ لاَ نَقْرِنُهُ إلَيْهِ، وَلاَ كَرَامَةَ‏,‏ وَهَذَا تَمْوِيهٌ مِنْهُمْ إنَّمَا رَوَى يَزِيدُ عَنْ مَيْمُونَةَ‏,‏ وَرَوَى أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ فَلْيَسْمَعُوا الآنَ إلَى الْحَقِّ‏:‏ نَحْنُ نَقُولُ‏:‏ لاَ نَقْرِنُ ابْنَ عَبَّاسٍ صَبِيًّا مِنْ صِبْيَانِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى مَيْمُونَةَ الْمُتَّكِئَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فِرَاشٍ وَاحِدٍ فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى‏,‏ الْقَدِيمَةِ الإِسْلاَمِ وَالصُّحْبَةِ‏,‏ وَلَكِنْ نَقْرِنُ يَزِيدَ بْنَ الأَصَمِّ إلَى أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَلاَ يُقْطَعُ بِفَضْلِهِمْ عَلَيْهِ‏.‏

وأما قَوْلُهُمْ‏:‏ قَدْ يَخْفَى عَلَى مَيْمُونَةَ إحْرَامُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ تَزَوَّجَهَا فَكَلاَمٌ سَخِيفٌ‏,‏ وَيُعَارَضُونَ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمْ‏:‏ قَدْ يَخْفَى عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ إحْلاَلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إحْرَامِهِ‏,‏ فَالْمُخْبِرَةُ عَنْ كَوْنِهِ قَدْ أَحَلَّ زَائِدَةٌ عِلْمًا‏;‏ فَحَصَلْنَا عَلَى‏:‏ قَدْ يَخْفَى وَقَدْ لاَ يَخْفَى وأما قَوْلُهُمْ‏:‏ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَارِدٌ بِحُكْمٍ زَائِدٍ فَلَيْسَ كَذَلِكَ‏,‏ بَلْ خَبَرُ عُثْمَانَ هُوَ الْوَارِدُ بِالْحُكْمِ الزَّائِدِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏;‏ فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ‏,‏ فَبَقِيَ أَنْ نُرَجِّحَ خَبَرَ عُثْمَانَ‏,‏ وَخَبَرَ مَيْمُونَةَ عَلَى خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم جَمِيعِهِمْ‏.‏

فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏:‏ خَبَرُ يَزِيدَ عَنْ مَيْمُونَةَ هُوَ الْحَقُّ‏,‏ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهْمٌ مِنْهُ بِلاَ شَكٍّ لِوُجُوهٍ بَيِّنَةٍ‏:‏ أَوَّلِهَا‏:‏ أَنَّهَا رضي الله عنها أَعْلَمُ بِنَفْسِهَا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لاِخْتِصَاصِهَا بِتِلْكَ الْقِصَّةِ دُونَهُ‏;‏ هَذَا مَا لاَ يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ‏.‏

وَثَانِيهَا‏:‏ أَنَّهَا رضي الله عنها كَانَتْ حِينَئِذٍ امْرَأَةٌ كَامِلَةٌ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه يَوْمئِذٍ ابْنَ عَشْرَةِ أَعْوَامٍ وَأَشْهُرٍ فَبَيْنَ الضَّبْطَيْنِ فَرْقٌ لاَ يَخْفَى‏.‏

وَالثَّالِثِ‏:‏ أَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا تَزَوَّجَهَا فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ‏,‏ هَذَا مَا لاَ يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ وَمَكَّةُ يَوْمئِذٍ دَارُ حَرْبٍ‏,‏ وَإِنَّمَا هَادَنَهُمْ عليه السلام عَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا مُعْتَمِرًا وَيَبْقَى بِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ ثُمَّ يَخْرُجَ‏,‏ فَأَتَى مِنْ الْمَدِينَةِ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُقَدِّمْ شَيْئًا‏,‏ إذْ دَخَلَ عَلَى الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَتَمَّ إحْرَامَهُ فِي الْوَقْتِ‏,‏ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ إنَّمَا تَزَوَّجَهَا بِمَكَّةَ حَاضِرًا بِهَا لاَ بِالْمَدِينَةِ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ بِلاَ شَكٍّ إنَّمَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ تَمَامِ إحْرَامِهِ لاَ فِي حَالِ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ فَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ جُمْلَةً‏,‏ وَبَقِيَ خَبَرُ مَيْمُونَةَ‏,‏ وَخَبَرُ عُثْمَانَ‏,‏ لاَ مُعَارِضَ لَهُمَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

ثُمَّ لَوْ صَحَّ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِيَقِينٍ وَلَمْ يَصِحَّ خَبَرُ مَيْمُونَةَ لَكَانَ خَبَرُ عُثْمَانَ هُوَ الزَّائِدُ الْوَارِدُ بِحُكْمٍ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ‏,‏ لأَِنَّ النِّكَاحَ مُذْ أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَلاَلٌ فِي كُلِّ حَالٍ لِلصَّائِمِ‏,‏ وَالْمُحْرِمِ‏,‏ وَالْمُجَاهِدِ‏,‏ وَالْمُعْتَكِفِ‏,‏ وَغَيْرِهِمْ‏,‏ هَذَا مَا لاَ شَكَّ فِيهِ‏.‏

ثُمَّ لَمَّا أَمَرَ عليه السلام بِأَنْ لاَ يَنْكِحَ الْمُحْرِمُ‏,‏ وَلاَ يُنْكَحَ‏,‏ وَلاَ يَخْطُبَ كَانَ ذَلِكَ بِلاَ شَكٍّ نَاسِخًا لِلْحَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ الإِبَاحَةِ‏,‏ لاَ يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا أَصْلاً‏,‏ وَكَانَ يَكُونُ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْسُوخًا بِلاَ شَكٍّ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْحَالَةِ الْمَنْسُوخَةِ بِيَقِينٍ‏.‏

وَمَنْ ادَّعَى فِي حُكْمٍ قَدْ صَحَّ نَسْخُهُ وَبُطْلاَنُهُ أَنَّهُ قَدْ عَادَ حُكْمُهُ وَبَطَلَ نَسْخُهُ فَقَدْ كَذَبَ أَوْ قَطَعَ بِالظَّنِّ إنْ لَمْ يُحَقِّقْ ذَلِكَ‏,‏ وَكِلاَهُمَا لاَ يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ تَرْكُ الْيَقِينِ لِلظُّنُونِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَقَالُوا‏:‏ لَمَّا حَلَّ لَهُ شِرَاءُ جَارِيَةٍ لِلْوَطْءِ، وَلاَ يَطَأُ‏:‏ حَلَّ لَهُ نِكَاحُ زَوْجَةٍ لِلْوَطْءِ، وَلاَ يَطَأُ ‏.‏

فَقُلْنَا لَهُمْ‏:‏ لَوْ اسْتَعْمَلْتُمْ هَذَا فِي قَوْلِكُمْ‏:‏ لاَ يَكُونُ صَدَاقٌ يُسْتَبَاحُ بِهِ الْفَرْجُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ‏,‏ فَهَلاَّ قُلْتُمْ‏:‏ كَمَا حَلَّ لَهُ اسْتِبَاحَةُ فَرْجِ جَارِيَةٍ مُحْرِمَةٍ بِأَنْ يَبْتَاعَهَا بِدِرْهَمٍ حَلَّ لَهُ فَرْجُ زَوْجَةٍ مُحْرِمَةٍ بِأَنْ يَصْدُقَهَا دِرْهَمًا وَالْقِيَاسَاتُ لاَ يُعَارَضُ بِهَا الْحَقُّ‏;‏ لأَِنَّ الْقِيَاسَ كُلُّهُ بَاطِلٌ‏.‏

وَقَالُوا‏:‏ كَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَ الْمُطَلَّقَةَ فِي عِدَّتِهَا جَازَ لَهُ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ فَقُلْنَا‏:‏ هَذَا بَاطِلٌ‏;‏ لأَِنَّهُ لَوْ كَانَ قِيَاسُ النِّكَاحِ عَلَى الْمُرَاجَعَةِ حَقًّا لَوَجَبَ أَنْ يَقُولُوا‏:‏ كَمَا جَازَتْ الْمُرَاجَعَةُ بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَلاَ إذْنِ وَلِيِّهَا‏,‏ وَبِغَيْرِ صَدَاقٍ‏:‏ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ النِّكَاحُ بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَلاَ إذْنِ وَلِيِّهَا وَبِغَيْرِ صَدَاقٍ‏,‏ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَهُ‏,‏ وَهَذِهِ صِفَةُ قِيَاسَاتِهِمْ السَّخِيفَةِ وأما الْمَالِكِيُّونَ فَإِنَّهُمْ أَجَازُوا نِكَاحَ الْمَوْهُوبَةِ إذَا ذُكِرَ فِيهِ صَدَاقٌ‏,‏ وَمَنَعُوا مِنْ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ‏,‏ وَهُمْ لاَ يَزَالُونَ يَقُولُونَ فِي الأَوَامِرِ‏:‏ هَذَا نَدْبٌ‏.‏

كَقَوْلِهِمْ فِي قَوْلِهِ عليه السلام لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ‏,‏ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ نَدْبٌ‏.‏

فَهَلاَّ قَالُوا‏:‏ هَاهُنَا فِي قَوْلِهِ عليه السلام‏:‏ لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلاَ يُنْكَحُ‏:‏ هَذَا نَدْبٌ وَلَكِنَّهُمْ إنَّمَا يَجْرُونَ عَلَى مَا سَنَحَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

870 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَيُسْتَحَبُّ الإِكْثَارُ مِنْ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ‏,‏ وَأَنْ يَسْتَقِيَ بِيَدِهِ مِنْهَا‏,‏ وَأَنْ يَشْرَبَ مِنْ نَبِيذِ السِّقَايَةِ‏:‏ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ حَدِيثَ حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَفَاضَ بِالْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ وَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ‏:‏ انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَوْلاَ أَنْ يَغْلِبَكُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ الضَّرِيرُ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ وَخَلْفَهُ أُسَامَةُ فَاسْتَسْقَى فَأَتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ مِنْ نَبِيذٍ فَشَرِبَ وَسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ وَقَالَ‏:‏ أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ هَكَذَا فَاصْنَعُوا‏,‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ فَنَحْنُ لاَ نُرِيدُ أَنْ نُغَيِّرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ أَمْرَ شُرْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَمِنْ شَرَابِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ النَّبِيذِ الْمَذْكُورِ فَقَالَ طَاوُسٍ‏:‏ هُوَ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ‏}‏‏.‏

871 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلاَةُ مَعَ الإِمَامِ بِعَرَفَةَ أَوْ مُزْدَلِفَةَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ صَلاَّهُمَا مَعَ الإِمَامِ بِعَرَفَةَ‏.‏

فَلَوْ أَدْرَكَ الإِمَامَ فِي الْعَصْرِ لَزِمَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ وَيَنْوِيَ بِهَا الظُّهْرَ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ لاَ يُجْزِيه غَيْرُ ذَلِكَ‏.‏

فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ أَتَمَّ صَلاَتَهُ إنْ كَانَ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ‏,‏ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ إنْ أَمْكَنَهُ فِي جَمَاعَةٍ وَإِلاَّ فَوَحْدَهُ‏.‏

وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَ الإِمَامَ بِمُزْدَلِفَةَ فِي الْعِشَاءِ الآخِرَةِ فَلْيَدْخُلْ مَعَهُ وَلْيَنْوِ بِهَا الْمَغْرِبَ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ لاَ يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ‏.‏

أَمَّا الْجَمْعُ فَإِنَّهُ حُكْمُ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ هُنَالِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ‏,‏ وَتِلْكَ اللَّيْلَةِ بِالنَّصِّ‏,‏ وَالإِجْمَاعِ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ خِلاَفُ ذَلِكَ‏.‏

وأما تَقْدِيمُ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ فَلأَِنَّهُمَا قَبْلَ الْعَصْرِ وَالْعَتَمَةِ، وَلاَ يَحِلُّ تَقْدِيمُ مُؤَخَّرَةٍ مِنْهُمَا، وَلاَ تَأْخِيرُ مُقَدَّمَةٍ‏,‏ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ جَوَازَ اخْتِلاَفِ نِيَّةِ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ‏.‏

فَإِنْ أَدْرَكَهَا مِنْ أَوَّلِهَا فَلْيَقْعُدْ فِي الثَّالِثَةِ، وَلاَ يَقُمْ حَتَّى يَقَعَ الإِمَامُ‏,‏ فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ سَلَّمَ مَعَهُ‏,‏ وَإِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ ثَلاَثَ رَكَعَاتٍ فَلْيَقُمْ فِي الثَّانِيَةِ بِقِيَامِ الإِمَامِ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ وَلْيَقْعُدْ فِي الآُولَى بِقُعُودِهِ وَلْيُسَلِّمْ بِسَلاَمِهِ‏.‏

أَمَّا قُعُودُهُ فِي الثَّالِثَةِ‏,‏ فَلأَِنَّهُ لَوْ قَامَ لَصَلَّى الْمَغْرِبَ أَرْبَعًا عَامِدًا‏,‏ وَهَذَا حَرَامٌ وَفَسَادٌ لِلصَّلاَةِ وَكُفْرٌ مِمَّنْ دَانَ بِهِ‏.‏

وأما إنْ أَدْرَكَ ثَلاَثًا فَقَطْ فَقُعُودُهُ فِي الآُولَى لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، وَلاَ خِلاَفَ فِي نَصٍّ، وَلاَ بَيْنَ الآُمَّةِ فِي أَنَّ الْمَأْمُومَ إنْ وَجَدَ الإِمَامَ جَالِسًا جَلَسَ مَعَهُ‏,‏ وَكَذَلِكَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ أَيِّ الصَّلَوَاتِ كَانَتْ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ وَلَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا لَقَامَ‏.‏

وأما قِيَامُهُ مِنْ الثَّانِيَةِ‏,‏ فَلِلنَّصِّ الْوَارِدِ وَالإِجْمَاعِ فِي أَنَّ الإِمَامَ إنْ قَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ سَاهِيًا فَفَرْضٌ عَلَى الْمَأْمُومِينَ اتِّبَاعُهُ فِي ذَلِكَ‏.‏

هَذَا كُلُّهُ إنْ أَتَمَّ الإِمَامُ أَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ مِمَّنْ يُتِمَّ وَإِلاَّ فَلاَ‏.‏

فَإِذَا أَتَمَّ صَلاَةَ الْمَغْرِبِ صَلَّى الْعَتَمَةَ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ وَحْدَهُ إنْ لَمْ يَجِدْ جَمَاعَةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

872 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَنْ كَانَ فِي طَوَافِ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ أَوْ عَرَضَتْ لَهُ صَلاَةُ جِنَازَةٍ‏,‏ أَوْ عَرَضَ لَهُ بَوْلٌ‏,‏ أَوْ حَاجَةٌ‏,‏ فَلْيُصَلِّ وَلْيَخْرُجْ لِحَاجَتِهِ‏,‏ ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى طَوَافِهِ وَيُتِمَّهُ‏.‏

وَكَذَلِكَ مَنْ عَرَضَ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي سَعْيِهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلاَ فَرْقَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏.‏

وقال مالك‏:‏ أَمَّا فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ فَيَبْتَدِئُ، وَلاَ بُدَّ إلاَّ فِي الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ فَقَطْ‏,‏ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا ثُمَّ يَبْنِي‏;‏ وأما فِي طَوَافِ التَّطَوُّعِ فَيَبْنِي فِي كُلِّ ذَلِكَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا تَقْسِيمٌ لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلاً‏,‏ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ، وَلاَ إجْمَاعٌ عَلَى وُجُوبِ ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ إنْ قَطَعَ لِحَاجَةٍ‏,‏ وَلاَ بِإِبْطَالِ مَا طَافَ مِنْ أَشْوَاطِهِ وَسَعَى‏,‏ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ‏}‏ وَإِنَّمَا افْتَرَضَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ سَبْعًا‏,‏ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِوُجُوبِ اتِّصَالِهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَطْ‏,‏ وأما مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَبَثًا فَلاَ عَمَلَ لِعَابِثٍ، وَلاَ يُجْزِئُهُ

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْحِمْيَرِيُّ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، حدثنا جَمِيلُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ‏:‏ رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ طَافَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ‏,‏ ثُمَّ أَصَابَهُ حَرٌّ فَدَخَلَ الْحِجْرَ فَجَلَسَ‏,‏ ثُمَّ خَرَجَ فَبَنَى عَلَى مَا كَانَ طَافَ‏.‏

وَعَنْ عَطَاءٍ‏:‏ لاَ بَأْسَ بِأَنْ يَجْلِسَ الإِنْسَانُ فِي الطَّوَافِ لِيَسْتَرِيحَ وَفِيمَنْ عَرَضَتْ لَهُ حَاجَةٌ فِي طَوَافِهِ لِيَذْهَبَ وَلِيَقْضِ حَاجَتَهُ‏,‏ ثُمَّ يَبْنِي عَلَى مَا كَانَ طَافَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

873 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وأما الإِحْصَارُ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ عَرَضَ لَهُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ إتْمَامِ حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ‏,‏ قَارِنًا كَانَ‏,‏ أَوْ مُتَمَتِّعًا‏,‏ مِنْ عَدُوٍّ‏,‏ أَوْ مَرَضٍ‏,‏ أَوْ كَسْرٍ‏,‏ أَوْ خَطَأِ طَرِيقٍ‏,‏ أَوْ خَطَأٍ فِي رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ‏,‏ أَوْ سِجْنٍ‏,‏ أَوْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ‏:‏ فَهُوَ مُحْصِرٌ‏.‏

فَإِنْ كَانَ اشْتَرَطَ عِنْدَ إحْرَامِهِ كَمَا قَدَّمْنَا أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ حَبَسَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيُحِلَّ مِنْ إحْرَامِهِ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ‏,‏ سَوَاءٌ شَرَعَ فِي عَمَلِ الْحَجِّ‏,‏ أَوْ الْعُمْرَةِ‏,‏ أَوْ لَمْ يَشْرَعْ بَعْدُ‏,‏ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا‏,‏ مَضَى لَهُ أَكْثَرُ فَرْضِهِمَا أَوْ أَقَلُّهُ‏,‏ كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَلاَ هَدْيَ فِي ذَلِكَ، وَلاَ غَيْرِهِ‏,‏ وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلاَّ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ، وَلاَ اعْتَمَرَ‏,‏ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ، وَلاَ بُدَّ‏.‏

فَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْتَرِطْ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ يُحِلُّ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ، وَلاَ فَرْقَ‏,‏ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ كَمَا قلنا فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ إلاَّ أَنَّهُ لاَ يُعَوَّضُ مِنْ هَذَا الْهَدْيِ صَوْمٌ، وَلاَ غَيْرُهُ‏,‏ فَمَنْ لَمْ يَجِدْهُ فَهُوَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَتَّى يَجِدَهُ‏,‏ وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ إلاَّ إنْ كَانَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ، وَلاَ اعْتَمَرَ‏,‏ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ‏.‏

وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الإِحْصَارِ‏:‏ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ

حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏,‏ قَالَ‏:‏ لاَ إحْصَارَ إلاَّ مِنْ عَدُوٍّ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حدثنا زَكَرِيَّا، هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ‏,‏ قَالَ‏:‏ لَمَّا أُحْصِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الْبَيْتِ صَالَحَهُ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا فَيَبْقَى بِهَا ثَلاَثًا، وَلاَ يَدْخُلَهَا إلاَّ بِجُلْبَانِ السِّلاَحِ السَّيْفِ وَقِرَابِهِ‏,‏ وَلاَ يَخْرُجُ بِأَحَدٍ مَعَهُ مِنْ أَهْلِهَا‏,‏ وَلاَ يَمْنَعُ أَحَدًا يَمْكُثُ بِهَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ فَسَمَّى الْبَرَاءُ مَنْعَ الْعَدُوِّ‏:‏ إحْصَارًا‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏:‏ الإِحْصَارُ مِنْ الْخَوْفِ وَالْمَرَضِ‏,‏ وَالْكَسْرِ‏;‏ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ الإِحْصَارُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَحْبِسُهُ‏.‏

وأما الْحَصْرُ‏:‏ فَرُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ الْحَصْرُ‏,‏ وَالْمَرَضُ‏,‏ وَالْكَسْرُ‏,‏ وَشِبْهُهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ لاَ حَصْرَ إلاَّ مَنْ حَبَسَهُ عَدُوٌّ‏.‏

وَعَنْ طَاوُسٍ قَالَ‏:‏ لاَ حَصْرَ الآنَ‏,‏ قَدْ ذَهَبَ الْحَصْرُ‏.‏

وَعَنْ عَلْقَمَةَ‏:‏ الْحَصْرُ الْخَوْفُ وَالْمَرَضُ‏.‏

وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ الْحَصْرُ مَا حَبَسَهُ مِنْ حَابِسٍ مِنْ وَجَعٍ‏,‏ أَوْ خَوْفٍ‏,‏ أَوْ ابْتِغَاءِ ضَالَّةٍ‏.‏

وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ‏:‏ الْحَصْرُ مَا مَنَعَهُ مِنْ وَجَعٍ‏,‏ أَوْ عَدُوٍّ حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ‏.‏

وَفَرَّقَ قَوْمٌ بَيْنَ الإِحْصَارِ‏,‏ وَالْحَصْرِ‏:‏ فَرُوِّينَا عَنْ الْكِسَائِيِّ قَالَ‏:‏ مَا كَانَ مِنْ الْمَرَضِ فَإِنَّهُ يُقَالُ فِيهِ‏:‏ أَحُصِرَ‏,‏ فَهُوَ مُحْصِرٌ‏,‏ وَمَا كَانَ مِنْ حَبْسٍ قِيلَ‏:‏ حَصْرٌ‏.‏

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ‏:‏ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ‏:‏ مَا كَانَ مِنْ مَرَضٍ‏,‏ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ‏,‏ قِيلَ فِيهِ‏:‏ أُحْصِرَ‏,‏ فَهُوَ مُحْصِرٌ‏;‏ وَمَا كَانَ مِنْ حَبْسٍ قِيلَ‏:‏ حَصْرٌ ‏.‏ وَبِهِ يَقُولُ أَبُو عُبَيْدٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا لاَ مَعْنَى لَهُ‏,‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْحُجَّةُ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرِيعَةِ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ‏}‏ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي أَمْرِ الْحُدَيْبِيَةِ إذْ مَنَعَ الْكُفَّارُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إتْمَامِ عُمْرَتِهِ‏,‏ وَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَنْعَ الْعَدُوِّ إحْصَارًا‏.‏

وَكَذَلِكَ قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ‏,‏ وَابْنُ عُمَرَ ‏,‏ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَهُمْ فِي اللُّغَةِ فَوْقَ أَبِي عُبَيْدَةَ‏,‏ وَأَبِي عُبَيْدٍ‏,‏ وَالْكَسَائِيّ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إلْحَافًا‏}‏‏.‏

فَهَذَا هُوَ مَنْعُ الْعَدُوِّ بِلاَ شَكٍّ‏;‏ لأَِنَّ الْمُهَاجِرِينَ إنَّمَا مَنَعَهُمْ مِنْ الضَّرْبِ فِي الأَرْضِ الْكُفَّارُ بِلاَ شَكٍّ‏;‏ وَبَيَّنَ ذَلِكَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ الإِحْصَارَ‏,‏ وَالْحَصْرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ‏,‏ وَأَنَّهُمَا اسْمَانِ يَقَعَانِ عَلَى كُلِّ مَانِعٍ مِنْ عَدُوٍّ‏,‏ أَوْ مَرَضٍ‏,‏ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ‏,‏ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْمُحْصِرِ الْمَمْنُوعِ مِنْ إتْمَامِ حَجِّهِ‏,‏ أَوْ عُمْرَتِهِ‏.‏

فَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ أَنَّهُ أَفْتَى فِي مُحْرِمٍ بِحَجٍّ مَرِضَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّهُوضِ‏:‏ أَنَّهُ يَبْعَثُ بِهَدْيٍ‏,‏ فَإِذَا بَلَغَ مَحَلَّهُ حَلَّ‏;‏ فَإِنْ اعْتَمَرَ مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ إذَا بَرَأَ‏,‏ ثُمَّ حَجَّ مِنْ قَابِلٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَزُرْ الْبَيْتَ حَتَّى يَحُجَّ وَيَجْعَلَهُمَا سَفَرًا وَاحِدًا فَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ‏:‏ سَفَرَانِ وَهَدْيٌ أَوْ هَدَيَانِ وَسَفَرٌ وَهَذَا عَنْهُ مُنْقَطِعٌ لاَ يَصِحُّ‏.‏

وَصَحَّ عَنْهُ‏:‏ أَنَّهُ أَفْتَى فِي مُحْرِمٍ بِعُمْرَةٍ لُدِغَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّفُوذِ‏:‏ أَنَّهُ يَبْعَثُ بِهَدْيٍ وَيُوَاعِدُ أَصْحَابَهُ‏,‏ فَإِذَا بَلَغَ الْهَدْيَ أَحَلَّ‏.‏

وَصَحَّ عَنْهُ أَيْضًا‏:‏ أَنَّهُ أَفْتَى فِي مَرِيضٍ مُحْرِمٍ لاَ يَقْدِرُ عَلَى النُّفُوذِ‏:‏ بِأَنْ يَنْحَرَ عَنْهُ بَدَنَةً‏;‏ ثُمَّ لِيُهِلَّ عَامًا قَابِلاً بِمِثْلِ إهْلاَلِهِ الَّذِي أَهَلَّ بِهِ‏.‏

وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ فِي مُحْرِمٍ بِعُمْرَةٍ مَرِضَ بِوَقْعَةٍ مِنْ رَاحِلَتِهِ‏,‏ قَالاَ جَمِيعًا‏:‏ لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ كَوَقْتِ الْحَجِّ‏,‏ يَكُونُ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يُصَلِّ إلَى الْبَيْتِ وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلُ هَذَا أَيْضًا‏.‏

وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَنْ أُحْصِرَ‏:‏ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ فَإِذَا نَحَرَ فَقَدْ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ‏:‏ لاَ يَضُرُّكَ أَنْ لاَ تَحُجَّ الْعَامَ فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَ النَّاسِ قِتَالٌ يُحَالُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ وَذَلِكَ حِينَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ إنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَعَلْت كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مَعَهُ حِينَ حَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ‏:‏ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت عُمْرَةً‏;‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ مَا أَمْرُهُمَا إلاَّ وَاحِدٌ إنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْعُمْرَةِ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْحَجِّ‏:‏ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَلَمْ يَخْتَلِفْ اثْنَانِ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ حَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُمْرَةِ وَكَانَ مُهِلًّا بِعُمْرَةٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم نَحَرَ وَحَلَّ وَانْصَرَفَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ‏,‏ ‏"‏ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَخَرَجَ مَعَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ فَمَرُّوا عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ مَرِيضُ بِالسُّقْيَا فَأَقَامَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَتَّى إذَا خَافَ الْفَوَاتَ خَرَجَ وَبَعَثَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ وَهُمَا بِالْمَدِينَةِ فَقَدِمَا عَلَيْهِ‏,‏ وَأَنَّ حُسَيْنًا أَشَارَ إلَى رَأْسِهِ فَأَمَرَ عَلِيٌّ بِرَأْسِهِ فَحُلِقَ‏,‏ ثُمَّ نَسَكَ عَنْهُ بِالسُّقْيَا فَنَحَرَ عَنْهُ بَعِيرًا ‏"‏‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ‏:‏ إنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ خَرَجَ مُعْتَمِرًا مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلَمَّا كَانَ بِالْعَرَجِ مَرِضَ‏,‏ فَلَمَّا أَتَى السُّقْيَا بِرَسْمٍ فَكَانَ أَوَّلُ إفَاقَتِهِ أَنْ أَشَارَ إلَى رَأْسِهِ فَحُلِقَ عَلَى رَأْسِهِ وَنَحَرَ عَنْهُ بِهَا جَزُورًا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ إنَّمَا أَتَيْنَا بِهَذَا الْخَبَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ مُعْتَمِرًا فَهَذَا عَلِيٌّ‏,‏ وَالْحُسَيْنُ‏,‏ وَأَسْمَاءُ رَأَوْا أَنْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ وَيُهْدِيَ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُنَا‏.‏

وَعَنْ عَلْقَمَةَ فِي الْمُحْصِرِ قَالَ‏:‏ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ فَإِذَا ذُبِحَ حَلَّ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ عَلْقَمَةَ أَيْضًا‏:‏ لاَ يُحِلُّهُ إلاَّ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا إنْ حَلَّ قَبْلَ نَحْرِ هَدْيِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ‏,‏ وَعَطَاءٍ‏,‏ وَالْحَسَنِ‏,‏ وَالشَّعْبِيِّ‏:‏ لاَ يُحِلُّهُ إلاَّ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ‏.‏

وَرُوِّينَا عنهم أَيْضًا‏:‏ حَاشَا الشَّعْبِيَّ‏:‏ إنْ حَلَّ دُونَ الْبَيْتِ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ سِوَى الَّذِي لَزِمَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ إلاَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي وَاعَدَهُمْ لِبُلُوغِهِ مَكَّةَ وَنَحْرِهِ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ أَيْضًا فِي الْقَارِنِ يُحْصِرُ قَالَ‏:‏ عَلَيْهِ هَدْيَانِ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا‏:‏ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي الْقَارِنِ يُحْصِرُ قَالاَ جَمِيعًا‏:‏ عَلَيْهِ عُمْرَتَانِ وَحَجَّةٌ وَعَنْ عَطَاءٍ‏,‏ وَطَاوُسٍ لَيْسَ عَلَى الْقَارِنِ إلاَّ هَدْيٌ وَاحِدٌ‏.‏

وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَيْضًا‏:‏ إنْ أَحَلَّ الْمُحْصِرُ قَبْلَ نَحْرِ هَدْيِهِ فَعَلَيْهِ فِدْيَةُ الأَذَى إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ‏,‏ أَوْ صِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ‏,‏ أَوْ شَاةٌ‏.‏

وَعَنْ مُجَاهِدٍ فِي الْقَارِنِ يُحْصِرُ قَالَ‏:‏ يَبْعَثُ بِهَدْيٍ يَحِلُّ بِهِ‏,‏ ثُمَّ يُهِلُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَا كَانَ أَهَلَّ بِهِ‏.‏

وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي الْقَارِنِ يُحْصِرُ‏:‏ أَنَّهُ يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ فَإِذَا بَلَغَ مَحَلَّهُ حَلَّ وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ قَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ‏:‏ عَلَيْهِ حَجَّةٌ وَثَلاَثُ عُمَرَ‏.‏

وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْمُحْصِرِ إذَا رَجَعَ لاَ يَحِلُّ مِنْهُ إلاَّ رَأْسُهُ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ مَنْ أُحْصِرَ بِالْحَرْبِ نَحَرَ حَيْثُ حُبِسَ وَحَلَّ مِنْ النِّسَاءِ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ‏.‏

وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ‏,‏ وَسَالِمٍ‏,‏ وَابْنُ سِيرِينَ‏:‏ يَبْعَثُ هَدْيَهُ فَإِذَا نَحَرَ فَقَدْ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا إذَا حَلَّ الْمُحْصِرُ قَبْلَ نَحْرِ هَدْيِهِ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ‏.‏

وقال أبو حنيفة فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَأُحْصِرَ‏:‏ عَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ بِثَمَنِ هَدْيٍ فَيُشْتَرَى لَهُ بِمَكَّةَ فَيُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ النَّحْرِ‏,‏ وَيَحِلُّ‏,‏ وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا أَقَامَ مُحْرِمًا حَتَّى يَجِدَ هَدْيًا وَلَهُ أَنْ يُوَاعِدَهُمْ بِنَحْرِهِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ قَالَ‏:‏ وَالْمُعْتَمِرُ يَنْحَرُ هَدْيَهُ مَتَى شَاءَ‏,‏ وَالإِحْصَارُ عِنْدَهُ بِالْعَدُوِّ‏,‏ وَالْمَرَضِ‏,‏ وَبِكُلِّ مَانِعٍ سِوَاهُمَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ‏,‏ فَإِنْ تَمَادَى مَرَضُهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَكَمَا قلنا وَإِنْ هُوَ أَفَاقَ قَبْلَ وَقْتِ الْحَجِّ لَمْ يَجْزِهِ ذَلِكَ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ كَمَا كَانَ‏;‏ فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَأَفَاقَ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى إدْرَاكِ الْهَدْيِ الَّذِي بَعَثَ مَضَى وَقَضَى عُمْرَتَهُ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ حَلَّ إذَا نَحَرَ عَنْهُ الْهَدْيَ‏.‏

وقال مالك‏:‏ إنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ فَإِنَّهُ يَنْحَرُ هَدْيَهُ حَيْثُ حُبِسَ وَيُحِلُّ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ‏,‏ إلاَّ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ حَجَّةَ الإِسْلاَمِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يُهْدِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ‏,‏ لاَ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ إلاَّ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا مَعَهُ قَدْ سَاقَهُ مَعَ نَفْسِهِ‏,‏ فَإِنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ لَكِنْ بِحَبْسٍ‏,‏ أَوْ مَرَضٍ‏,‏ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ‏,‏ فَإِنَّهُ لاَ يُحِلُّ إلاَّ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ‏,‏ وَلَوْ بَقِيَ كَذَلِكَ إلَى عَامٍ آخَرَ‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ إذَا أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ‏,‏ أَوْ بِسِجْنٍ فَإِنَّهُ يُهْدِي وَيُحِلُّ حَيْثُ كَانَ مِنْ حِلٍّ‏,‏ أَوْ حَرَمٍ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ إلاَّ إنْ كَانَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ، وَلاَ اعْتَمَرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ‏;‏ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى هَدْيٍ فَفِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا‏:‏ لاَ يَحِلُّ إلاَّ حَتَّى يُهْدِيَ‏;‏ وَالآخَرُ يُحِلُّ‏,‏ وَالْهَدْيُ دَيْنٌ عَلَيْهِ وَقَدْ قِيلَ‏:‏ عَلَيْهِ إطْعَامٌ‏,‏ أَوْ صِيَامٌ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهَدْيِ فَإِنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ أَوْ حَبْسٍ لَمْ يُحِلَّهُ إلاَّ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يُفِقْ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ طَافَ‏,‏ وَسَعَى‏,‏ وَحَلَّ‏,‏ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُحْصِرِ بِعَدُوٍّ‏,‏ وَبِغَيْرِ عَدُوٍّ فَفَاسِدٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَا قَبْلُ وأما إسْقَاطُ الْهَدْيِ عَنْ الْمُحْصِرِ بِعَدُوٍّ‏,‏ أَوْ غَيْرِهِ فَخِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ‏;‏ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ‏}‏ وأما إيجَابُ الْقَضَاءِ فَخَطَأٌ‏;‏ لأَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ‏.‏

فإن قيل‏:‏ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ اعْتَمَرَ بَعْدَ عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ قلنا‏:‏ نَعَمْ‏,‏ وَنَحْنُ لَمْ نَمْنَعْ مِنْ الْقَضَاءِ عَامًا آخَرَ لِمَنْ أَحَبَّ‏,‏ وَإِنَّمَا نَمْنَعُ مِنْ إيجَابِهِ فَرْضًا‏;‏ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ‏,‏ وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَقَدْ صَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ عَلَى الْمُسْلِمِ إلاَّ حَجَّةً وَاحِدَةً وَعُمْرَةً فِي الدَّهْرِ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ إيجَابُ أُخْرَى‏,‏ إلاَّ بِقُرْآنٍ‏,‏ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ تُوجِبُ ذَلِكَ فَيُوقَفُ عِنْدَ ذَلِكَ‏.‏

وأما الْقَوْلُ بِبَقَاءِ الْمُحْصِرِ بِمَرَضٍ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ‏,‏ فَقَوْلٌ لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ‏,‏ وَلاَ أَوْجَبَهُ قُرْآنٌ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ بَلْ هُوَ خِلاَفُ الْقُرْآنِ كَمَا أَوْرَدْنَا وَالصَّحَابَةُ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فِي الْعُمْرَةِ خَاصَّةً وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ فِي الْحَجِّ أَصْلاً‏.‏

فإن قيل‏:‏ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ‏}‏ قلنا نَعَمْ‏,‏ وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى‏:‏ إنَّ الْمُحْصِرَ لاَ يُحِلُّ إلاَّ بِالطَّوَافِ‏.‏

وَاَلَّذِي قَالَ‏:‏ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ هُوَ الَّذِي قَالَ‏:‏ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ‏.‏

وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُحِلَّ وَيَرْجِعَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فِي عُمْرَتِهِ الَّتِي صُدَّ فِيهَا عَنْ الْبَيْتِ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ ضَرْبُ أَوَامِرِهِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وأما الْقَوْلُ‏:‏ بِبَعْثِهِ هَدْيًا يَحِلُّ بِهِ‏,‏ فَقَوْلٌ لاَ يُؤَيِّدُهُ قُرْآنٌ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ‏,‏ وَالصَّحَابَةُ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ كَمَا أَوْرَدْنَا‏.‏

فإن قيل‏:‏ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ‏}‏‏.‏

قلنا‏:‏ نَعَمْ‏,‏ وَلَيْسَ هَذَا فِي الْمُحْصَرِ وَحْدَهُ‏,‏ بَلْ هُوَ حُكْمُ كُلِّ مَنْ سَاقَ هَدْيًا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ عَلَى عُمُومِ الآيَةِ‏:‏ فَالْحَاجُّ‏,‏ وَالْقَارِنُ إذَا كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَدْ بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى‏,‏ فَلَهُ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ‏.‏

وَالْمُعْتَمِرُ إذَا أَتَمَّ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ فَقَدْ بَلَغَ هَدْيُهُ مَحِلَّهُ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بِمَكَّةَ فَلَهُ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ‏.‏

وَالْمُحْصَرُ إذَا صُدَّ فَقَدْ بَلَغَ هَدْيُهُ مَحِلَّهُ فَلَهُ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ إنْ كَانَ مَعَ هَؤُلاَءِ هَدْيٌ‏,‏ وَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَطُّ‏:‏ إنَّ الْمُحْصَرَ لاَ يُحِلُّ حَتَّى يَبْلُغَ هَدْيُهُ مَكَّةَ‏,‏ بَلْ هُوَ الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّنْ نَسَبَهُ إلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ‏;‏ فَظَهَرَ خَطَأُ هَذِهِ الأَقَاوِيلِ‏.‏

وأما قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَمَالِكٍ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ فِي الإِحْصَارِ‏,‏ فَلاَ يُحْفَظُ قَوْلٌ مِنْهَا بِتَمَامِهِ وَتَقْسِيمِهِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَصْلاً‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّجُوعَ إلَيْهِ إذْ يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ‏}‏‏.‏

فَوَجَدْنَا حُكْمَ الإِحْصَارِ يَرْجِعُ‏:‏ إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ‏}‏ فَكَانَ فِي هَذِهِ الآيَةِ عُمُومُ إيجَابِ الْهَدْيِ عَلَى كُلِّ مَنْ أُحْصِرَ بِأَيِّ وَجْهٍ أُحْصِرَ‏.‏

وَإِلَى فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنْ الْبَيْتِ فَنَحَرَ وَحَلَقَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَحَلُّوا بِالْحُدَيْبِيَةِ‏.‏

وَإِلَى أَمْرِهِ عليه السلام مَنْ حَجَّ أَنْ يَقُولَ‏:‏ اللَّهُمَّ إنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ‏.‏

وَإِلَى مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَصْرِيُّ، حدثنا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْحَجَّاجِ الصَّوَّافِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيِّ قَالَ ‏"‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى فَسَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ‏,‏ وَأَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالاَ‏:‏ صَدَقَ ‏"‏‏.‏

فَهَذِهِ النُّصُوصُ تَنْتَظِمُ كُلَّ مَا قلنا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

فإن قيل‏:‏ فَفِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ عَلَيْهِ حَجَّةً أُخْرَى‏,‏ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ هَدْيٍ قلنا‏:‏ إنَّ الْقُرْآنَ جَاءَ بِإِيجَابِ الْهَدْيِ‏,‏ فَهُوَ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ‏,‏ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرٌ لاِِسْقَاطِ الْهَدْيِ، وَلاَ لاِِيجَابِهِ‏,‏ فَوَجَبَ إضَافَةُ مَا زَادَهُ الْقُرْآنُ إلَيْهِ‏,‏ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ بِأَنَّ اللاَّزِمَ لِلنَّاسِ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ مَحْمُولاً عَلَى مَنْ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ‏,‏ وَبِهَذَا تَتَأَلَّفُ الأَخْبَارُ‏.‏

فإن قيل‏:‏ إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلاَفُ مَا رُوِيَ مِنْ هَذَا قلنا‏:‏ الْحُجَّةُ إنَّمَا هِيَ فِيمَا رَوَى لاَ فِي رَأْيِهِ وَقَدْ يَنْسَى‏,‏ أَوْ يَتَأَوَّلُ‏;‏ وَأَيْضًا فَإِنَّ التَّوْهِينَ بِمَا رَوَى لِمَا رُوِيَ عَنْهُ مِمَّا يُخَالِفُ مَا رَوَى أَوْلَى مِنْ تَوْهِينِ مَا رَوَى بِمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ خِلاَفِهِ لِمَا رَوَى‏,‏ لأَِنَّ الطَّاعَةَ عَلَيْنَا إنَّمَا هِيَ لِمَا رَوَى لاَ لِمَا رَأَى بِرَأْيِهِ‏.‏

وَأَيْضًا فَلَوْ صَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفُ مَا رُوِيَ لَكَانَ الْحَجَّاجُ‏,‏ وَأَبُو هُرَيْرَةَ‏,‏ قَدْ رَوَيَاهُ وَلَمْ يُخَالِفَاهُ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لاَ يَنْحَرُ هَدْيَ الإِحْصَارِ إلاَّ فِي الْحَرَمِ‏,‏ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ نَاجِيَةَ بْنَ كَعْبٍ نَهَضَ بِالْهَدْيِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي شِعَابٍ وَأَوْدِيَةٍ حَتَّى نَحَرَهُ فِي الْحَرَمِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لَوْ صَحَّ هَذَا لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ‏;‏ لأَِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ عليه السلام، وَلاَ أَوْجَبَهُ‏,‏ وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ عَمَلاً عَمِلَهُ‏,‏ وَإِنَّمَا الطَّاعَةُ لاَِمْرِهِ عليه السلام‏.‏

وَرُوِّينَا خَبَرًا فِيهِ‏:‏ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْبُدْنِ لِلْهَدْيِ وَهَذَا لاَ يَصِحُّ‏,‏ لأَِنَّ رَاوِيَهُ أَبُو حَاضِرٍ الأَزْدِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

874 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَنْ احْتَاجَ إلَى حَلْقِ رَأْسِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ لِمَرَضٍ‏,‏ أَوْ صُدَاعٍ‏,‏ أَوْ لِقَمْلٍ‏,‏ أَوْ لِجُرْحٍ بِهِ‏,‏ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْذِيهِ فَلْيَحْلِقْهُ‏,‏ وَعَلَيْهِ أَحَدُ ثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي أَيُّهَا شَاءَ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهَا‏.‏

إمَّا أَنْ يَصُومَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ‏,‏ وأما أَنْ يُطْعِمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ مُتَغَايِرِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مِنْهُمْ نِصْفُ صَاعِ تَمْرٍ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ وأما أَنْ يُهْدِيَ شَاةً يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ‏,‏ أَوْ يَصُومَ‏,‏ أَوْ يُطْعِمَ‏,‏ أَوْ يَنْسَكَ الشَّاةَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي حَلَقَ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ‏.‏

فَإِنْ حَلَقَ رَأْسَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ‏,‏ أَوْ حَلَقَ بَعْضَ رَأْسِهِ دُونَ بَعْضٍ عَامِدًا عَالِمًا أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ بَطَلَ حَجُّهُ‏,‏ فَلَوْ قَطَعَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ مَا لاَ يُسَمَّى بِهِ حَالِقًا بَعْضَ رَأْسِهِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ‏,‏ لاَ إثْمَ، وَلاَ كَفَّارَةَ بِأَيِّ وَجْهٍ قَطَعَهُ‏,‏ أَوْ نَزَعَهُ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ‏}‏ فَكَانَ فِي هَذِهِ الآيَةِ التَّخْيِيرُ فِي أَيِّ هَذِهِ الثَّلاَثَةِ الأَعْمَالِ أَحَبَّ‏,‏ وَلَيْسَ فِيهَا بَيَانُ كَمْ يَصُومُ، وَلاَ بِكَمْ يَتَصَدَّقُ، وَلاَ بِمَاذَا يَنْسَك وَفِي الآيَةِ أَيْضًا حَذْفٌ بَيَّنَهُ الإِجْمَاعُ‏,‏ وَالسُّنَّةُ وَهُوَ‏:‏ فَحَلَقَ رَأْسَهُ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ‏:‏ إنْ شِئْتَ فَانْسُكْ نَسِيكَةً‏,‏ وَإِنْ شِئْتَ فَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ‏,‏ وَإِنْ شِئْتَ فَأَطْعِمْ ثَلاَثَةَ آصُعَ مِنْ تَمْرٍ لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، حدثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ عَنْ خَالِدِ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهِ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَقَالَ لَهُ‏:‏ آذَاكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏,‏ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم احْلِقْ‏,‏ ثُمَّ اذْبَحْ شَاةً نُسُكًا‏,‏ أَوْ صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ‏,‏ أَوْ اطْعَمْ ثَلاَثَةَ آصُعَ مِنْ تَمْرٍ‏:‏ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا أَكْمَلُ الأَحَادِيثِ وَأَبْيَنُهَا‏,‏ وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ طُرُقٍ‏:‏ فِي بَعْضِهَا أَوْ نُسُكِ مَا تَيَسَّرَ‏.‏

وَبَعْضُهَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ‏:‏ أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ أَخْبَرَهُ بِهَذَا الْخَبَرِ‏,‏ وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ حِينَئِذٍ‏:‏ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ نِصْفَ صَاعٍ طَعَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ‏.‏

وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ الزَّهْرَانِيِّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ‏,‏ فَذَكَرَ فِيهِ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ‏.‏

وَخَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حدثنا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبَانُ، هُوَ ابْنُ صَالِحٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ فِيهِ أَوْ إطْعَامَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ فَرْقًا مِنْ زَبِيبٍ‏.‏

وَخَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ

حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ أَخْبَرَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْحَدِيثَ‏;‏ وَفِيهِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لَهُ‏:‏ هَلْ عِنْدَكَ نُسُكٌ قَالَ‏:‏ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ‏,‏ فَأَمَرَهُ أَنْ يَصُومَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ‏,‏ أَوْ يُطْعِمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ‏,‏ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ‏:‏ هَلْ تَجِدُ مِنْ نَسِيكَةٍ قَالَ‏:‏ لاَ‏,‏ قَالَ‏:‏ وَهِيَ شَاةٌ قَالَ‏:‏ فَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ‏,‏ أَوْ أَطْعِمْ ثَلاَثَةَ آصُعَ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ أَنَا دَاوُد بْنَ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ‏,‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَفْسِهِ أَمَعَكَ دَمٌ قَالَ‏:‏ لاَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لَهُ‏:‏ فَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ‏,‏ أَوْ تَصَدَّقْ بِثَلاَثَةِ آصُعَ مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لَمْ يَسْمَعْهُ الشَّعْبِيُّ مِنْ كَعْبٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ‏.‏

وَنَذْكُرُ الآنَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ، حدثنا جَعْفَرُ الصَّائِغُ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ‏:‏ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ‏:‏ أَمَعَكَ هَدْيٌ قُلْتُ‏:‏ مَا أَجِدُهُ‏,‏ قَالَ‏:‏ إنَّهُ مَا اسْتَيْسَرَ قُلْتُ‏:‏ مَا أَجِدُهُ قَالَ‏:‏ فَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ‏,‏ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَهَذِهِ الأَحَادِيثُ الْمُضْطَرِبَةُ كُلُّهَا إنَّمَا هِيَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ‏,‏ وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلاً مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ هُوَ الصَّحِيحُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ‏:‏ أَمَّا هَذَا الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعُ تَمْرٍ فَهُوَ عَنْ أَشْعَثَ الْكُوفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَلْبَتَّةَ‏;‏ وَفِي هَذَا الْخَبَرِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ طَرِيقِ دَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ كَعْبٍ‏:‏ إيجَابُ التَّرْتِيبِ‏,‏ وَأَنْ لاَ يَجْزِيَ الصِّيَامُ‏,‏ وَلاَ الصَّدَقَةُ إلاَّ عِنْدَ عَدَمِ النُّسُكِ‏,‏ وَذَلِكَ الْخَبَرُ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الشَّعْبِيَّ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ كَعْبٍ‏,‏ فَحَصَلَ مُنْقَطِعًا‏:‏ فَسَقَطَا مَعًا‏.‏

وأما رِوَايَةُ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ‏,‏ وَأَبِي عَوَانَةَ عَنْ الأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ فَفِيهَا أَيْضًا‏:‏ إيجَابُ التَّرْتِيبِ‏,‏ وَقَدْ خَالَفَهُمَا شُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ الأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ فَذَكَرَهُ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ النُّسُكِ أَوْ الصَّوْمِ‏,‏ أَوْ الصَّدَقَةِ‏,‏ ثُمَّ وَجَدْنَا شُعْبَةَ قَدْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي هَذَا الْخَبَرِ‏:‏ فَرَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ‏:‏ نِصْفَ صَاعٍ طَعَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ‏.‏

وَرَوَى عَنْهُ بِشْرُ بْنُ عُمَرَ‏:‏ نِصْفَ صَاعٍ حِنْطَةً لِكُلِّ مِسْكِينٍ‏.‏

وَرَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ‏:‏ ثَلاَثَةَ آصُعَ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ‏,‏ وَلَمْ يَذْكُرْ لِمَاذَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا كُلُّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ‏,‏ وَبِنُصُوصِ هَذِهِ الأَخْبَارِ كُلِّهَا أَيْضًا‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ جَمِيعَهَا وَهْمٌ إلاَّ وَاحِدًا فَقَطْ‏:‏ فَوَجَدْنَا أَصْحَابَ شُعْبَةَ قَدْ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ‏,‏ فَوَجَبَ تَرْكُ مَا اضْطَرَبُوا فِيهِ‏,‏ إذْ لَيْسَ بَعْضُهُ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ‏,‏ وَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الَّذِي لَمْ يَضْطَرِبْ الثِّقَاتُ مِنْ رُوَاتِهِ فِيهِ‏,‏ وَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ عَنْ قَضَايَا شَتَّى لَوَجَبَ الأَخْذُ بِجَمِيعِهَا وَضَمُّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ‏,‏ وأما فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فَلاَ يُمْكِنُ ذَلِكَ أَصْلاً‏.‏

ثُمَّ وَجَدْنَا أَبَانَ بْنَ صَالِحٍ قَدْ ذَكَرَ فِي رِوَايَتِهِ فَرْقًا مِنْ زَبِيبٍ وَأَبَانُ لاَ يُعْدَلُ فِي الْحِفْظِ بِدَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى‏,‏ وَلاَ بِأَبِي قِلاَبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى‏,‏ وَلاَ بُدَّ مِنْ أَخْذِ إحْدَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ‏,‏ إذْ لاَ يُمْكِنُ جَمْعُهُمَا‏;‏ لأَِنَّهَا كُلُّهَا فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ‏,‏ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ‏,‏ فِي رَجُلٍ وَاحِدٍ‏,‏ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ‏,‏ فَوَجَبَ أَخْذُ مَا رَوَاهُ أَبُو قِلاَبَةَ‏,‏ وَالشَّعْبِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ‏,‏ لِثِقَتِهِمَا وَلاَِنَّهَا مُبَيِّنَةٌ لِسَائِرِ الأَحَادِيثِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وأما مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ عَالِمًا عَامِدًا بِأَنَّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ‏,‏ أَوْ حَلَقَ بَعْضَ رَأْسِهِ وَخَلَّى الْبَعْضَ عَالِمًا بِأَنَّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ‏:‏ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى‏,‏ وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ فُسُوقٌ‏,‏ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْفُسُوقَ يُبْطِلُ الإِحْرَامَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، وَلاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ‏;‏ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ الْكَفَّارَةَ إلاَّ عَلَى مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ لِمَرَضٍ‏,‏ أَوْ أَذًى بِهِ فَقَطْ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا‏.‏

وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُوجَبَ فِدْيَةٌ‏,‏ أَوْ غَرَامَةٌ‏,‏ أَوْ صِيَامٌ‏,‏ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ شَرْعٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ قِيَاسُ الْعَاصِي عَلَى الْمُطِيعِ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا فَكَيْفَ وَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ وأما مَنْ قَطَعَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ مَا لاَ يُسَمَّى بِذَلِكَ حَالِقًا بَعْضَ رَأْسِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْصِ، وَلاَ أَتَى مُنْكَرًا‏;‏ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَنْهَ الْمُحْرِمَ إلاَّ عَنْ حَلْقِ رَأْسِهِ وَنَهَى جُمْلَةً عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ حَلْقِ بَعْضِ الرَّأْسِ دُونَ بَعْضٍ وَهُوَ الْقَزَعُ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَبِيًّا قَدْ حَلَقَ بَعْضَ شَعْرِهِ وَتَرَكَ بَعْضَهُ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ‏,‏ وَقَالَ‏:‏ احْلِقُوا كُلَّهُ‏,‏ أَوْ اُتْرُكُوا كُلَّهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَجَاءَتْ أَخْبَارٌ لاَ تَصِحُّ‏,‏ مِنْهَا‏:‏ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ أَنْصَارِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ أَنْ يَحْلِقَ وَيُهْدِيَ بَقَرَةً وَهَذَا مُرْسَلٌ عَنْ مَجْهُولٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ بْنِ عُجْرَةَ‏:‏ أَنَّ كَعْبًا ذَبَحَ بَقَرَةً بِالْحُدَيْبِيَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ضَعِيفٌ جِدًّا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً أَصَابَهُ مِثْلُ الَّذِي أَصَابَ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنًا لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَمَّا كَانَ أَبُوهُ ذَبَحَ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي فِدْيَةِ رَأْسِهِ فَقَالَ‏:‏ بَقَرَةً مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ‏,‏ وَغَيْرِهِ‏,‏ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ‏:‏ سَأَلَ عُمَرُ ابْنًا لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ بِمَاذَا افْتَدَى أَبُوهُ فَقَالَ بِبَقَرَةٍ سُلَيْمَانَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ الْمَدَنِيِّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ افْتَدَى كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ مِنْ أَذًى كَانَ بِرَأْسِهِ فَحَلَقَهُ بِبَقَرَةٍ قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا أَبُو مَعْشَرٍ ضَعِيفٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَعَلْقَمَةَ‏,‏ وَمُجَاهِدٍ‏,‏ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏,‏ وَقَتَادَةَ‏,‏ وَطَاوُسٍ‏,‏ وَعَطَاءٍ‏,‏ كُلُّهُمْ قَالَ فِي فِدْيَةِ الأَذَى‏:‏ صِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ‏,‏ أَوْ نُسُكُ شَاةٍ‏,‏ أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ‏.‏

وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ‏,‏ وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ‏,‏ وَعِكْرِمَةَ فِي فِدْيَةِ الأَذَى‏:‏ نُسُكُ شَاةٍ‏,‏ أَوْ صِيَامُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ‏,‏ أَوْ إطْعَامُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ‏.‏

رُوِّينَا ذَلِكَ‏:‏ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ هُشَيْمٍ‏:‏ أَنَا مَنْصُورَ بْنَ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الْحَسَنِ فَذَكَرَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ‏,‏ وَعِكْرِمَةَ فَذَكَرَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ‏,‏ وَعِكْرِمَةَ فَذَكَرَهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وأما الْمُتَأَخِّرُونَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ‏:‏ إنْ حَلَقَ مِنْ رَأْسِهِ أَقَلَّ مِنْ الرُّبُعِ لِضَرُورَةٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةُ مَا تَيَسَّرَ‏,‏ فَإِنْ حَلَقَ رُبُعَ رَأْسِهِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ نُسُكِ مَا شَاءَ‏,‏ وَيُجْزِئُهُ شَاةٌ‏,‏ أَوْ صِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ‏,‏ أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ حِنْطَةٍ‏,‏ أَوْ دَقِيقُ حِنْطَةٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ مِنْ شَعِيرٍ‏,‏ أَوْ مِنْ زَبِيبٍ‏.‏

قَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ وَيُجْزِئُ أَنْ يُغَدِّيَهُمْ وَيُعَشِّيَهُمْ‏.‏

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنُ‏:‏ لاَ يُجْزِئُهُ إلاَّ أَنْ يُعْطِيَهُمْ إيَّاهُ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي قَوْلٍ لَهُ آخَرَ‏:‏ إنْ حَلَقَ نِصْفَ رَأْسِهِ فَأَقَلَّ صَدَقَةٌ‏,‏ وَإِنْ حَلَقَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ فَالْفِدْيَةُ كَمَا ذَكَرْنَا‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلٍ لَهُ آخَرَ إنْ حَلَقَ عُشْرَ رَأْسِهِ فَصَدَقَةٌ فَإِنْ حَلَقَ أَكْثَرَ مِنْ الْعُشْرِ فَالْفِدْيَةُ الْمَذْكُورَةُ‏.‏

قَالُوا كُلُّهُمْ‏:‏ فَإِنْ حَلَقَ رَأْسَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ لاَ يُجْزِئُهُ بَدَلُهُ صِيَامٌ‏,‏ وَلاَ إطْعَامٌ وَقَالَ الطَّحَاوِيَّ‏:‏ لَيْسَ فِي حَلْقِ بَعْضِ الرَّأْسِ شَيْءٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذِهِ وَسَاوِسُ وَاسْتِهْزَاءٌ وَشَبِيهٌ بِالْهَزْلِ‏,‏ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلاَءِ‏,‏ وَلاَ يُحْفَظُ هَذَا السُّخَامُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَهُمْ‏.‏

وقال مالك‏:‏ إنْ حَلَقَ‏,‏ أَوْ نَتَفَ شَعَرَاتٍ نَاسِيًا‏,‏ أَوْ جَاهِلاً أَوْ عَامِدًا فَيُطْعِمُ شَيْئًا مِنْ طَعَامٍ فَإِنْ حَلَقَ‏,‏ أَوْ نَتَفَ مَا يَكُونُ فِيهِ إمَاطَةَ أَذًى فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا أَيْضًا قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَلاَ يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ‏.‏

وقال الشافعي‏,‏ وَالأَوْزَاعِيُّ فِي نَتْفِ شَعْرَةٍ أَوْ حَلْقِهَا عَامِدًا وَنَاسِيًا‏:‏ مُدٌّ‏,‏ وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ كَذَلِكَ مُدَّانِ‏,‏ وَفِي الثَّلاَثِ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا كَذَلِكَ دَمٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إنْ أَحَبَّ فَشَاةٌ‏,‏ وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ مُدَّانِ مِمَّا يَأْكُلُ‏,‏ وَإِنْ شَاءَ صَامَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ‏:‏ لَيْسَ فِي الشَّعْرَتَيْنِ، وَلاَ فِي الشَّعْرَةِ شَيْءٌ‏,‏ وَفِي ثَلاَثِ شَعَرَاتٍ دَمٌ وَكَانَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ نَحَا إلَى هَذَا وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ‏,‏ وَعَطَاءٍ قَالاَ جَمِيعًا فِي ثَلاَثِ شَعَرَاتٍ لِلْمُحْرِمِ‏:‏ دَمٌ‏,‏ النَّاسِي وَالْعَامِدُ سَوَاءٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي إسْمَاعِيلَ الْمَكِّيِّ‏:‏ قَالَ‏:‏ سَأَلْت عَطَاءً عَنْ مُحْرِمٍ حَلَقَ شَعْرَتَيْنِ لِدَوَاءٍ قَالَ‏:‏ عَلَيْهِ دَمٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ رُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ

حدثنا أَبُو أُسَامَةَ هُوَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لاَ يَرَى بَأْسًا لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَحْلِقَ عَنْ الشَّجَّةِ‏:‏ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَأَبَاحَ ذَلِكَ لَمْ يَرَ فِيهِ شَيْئًا، وَلاَ يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله تعالى عنهم‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وأما مَوْضِعُ النُّسُكِ وَالإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْمُحْصِرِ نُسُكَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ الْحُسَيْنِ رضي الله تعالى عنهما فِي حَلْقِ رَأْسِهِ لِمَرَضٍ كَانَ بِهِ بِالسُّقْيَا، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله تعالى عنهم مُخَالِفًا وَنُسُكُ حَلْقِ الرَّأْسِ لاَ يُسَمَّى هَدْيًا‏;‏ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَهُوَ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ‏,‏ إذْ لَمْ يُوجِبْ كَوْنَ النُّسُكِ بِمَكَّةَ قُرْآنٌ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ قَالَ‏:‏ مَا كَانَ مِنْ دَمٍ أَوْ طَعَامٍ فَبِمَكَّةَ‏,‏ وأما الصَّوْمُ فَحَيْثُ شَاءَ وَقَالَ عَطَاءٌ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ مَا كَانَ مِنْ دَمٍ فَبِمَكَّةَ وَمَا كَانَ مِنْ طَعَامٍ أَوْ صِيَامٍ فَحَيْثُ شَاءَ‏.‏

وَقَالَ الْحَسَنُ‏:‏ كُلُّ دَمٍ وَاجِبٍ فَلَيْسَ لَك أَنْ تَذْبَحَهُ إلاَّ بِمَكَّةَ‏.‏

رُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ اجْعَلْ الْفِدْيَةَ حَيْثُ شِئْت‏:‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ بِالنُّسُكِ مَكَانًا دُونَ مَكَان إلاَّ بِقُرْآنٍ‏,‏ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ‏.‏

875 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

فَإِنْ حَلَقَ رَأْسَهُ بِنُورَةٍ فَهُوَ حَالِقٌ فِي اللُّغَةِ فَفِيهِ مَا فِي الْحَالِقِ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا بِأَيِّ شَيْءٍ حَلَقَهُ فَإِنْ نَتَفَهُ فَلاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ‏;‏ لأَِنَّهُ لَمْ يَحْلِقْهُ‏;‏ وَالنَّتْفُ غَيْرُ الْحَلْقِ‏:‏ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَإِنَّمَا جَاءَ النَّهْيُ وَالْفِدْيَةُ فِي الْحَلْقِ لاَ فِي النَّتْفِ‏.‏

876 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَنْ تَصَيَّدَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ أَوْ بِقِرَانٍ أَوْ بِحَجَّةِ تَمَتُّعٍ مَا بَيْنَ أَوَّلِ إحْرَامِهِ إلَى دُخُولِ وَقْتِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ‏,‏ أَوْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ‏,‏ أَوْ مُحِلٌّ فِي الْحَرَمِ‏:‏ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَامِدًا لِقَتْلِهِ غَيْرَ ذَاكِرٍ لاِِحْرَامِهِ أَوْ‏;‏ لأَِنَّه فِي الْحَرَمِ‏,‏ أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ لِقَتْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَاكِرًا لاِِحْرَامِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ‏:‏ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ‏,‏ لاَ كَفَّارَةَ، وَلاَ إثْمَ‏;‏ وَذَلِكَ الصَّيْدُ جِيفَةٌ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ‏,‏ فَإِنْ قَتَلَهُ عَامِدًا لِقَتْلِهِ ذَاكِرًا لاِِحْرَامِهِ‏,‏ أَوْ‏;‏ لأَِنَّه فِي الْحَرَمِ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى‏,‏ وَحَجُّهُ بَاطِلٌ وَعُمْرَتُهُ كَذَلِكَ وَعَلَيْهِ مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ‏}‏‏.‏

فَصَحَّ يَقِينًا لاَ إشْكَالَ فِيهِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ كُلَّهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْعَامِدِ لِقَتْلِهِ‏,‏ الذَّاكِرِ لاِِحْرَامِهِ‏,‏ أَوْ‏;‏ لأَِنَّه فِي الْحَرَمِ‏,‏ لأَِنَّ إذَاقَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَالَ الأَمْرِ وَعَظِيمَ وَعِيدِهِ بِالاِنْتِقَامِ مِنْهُ لاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمُخْطِئِ أَلْبَتَّةَ‏,‏ وَلاَ عَلَى غَيْرِ الْعَامِدِ لِلْمَعْصِيَةِ الْقَاصِدِ إلَيْهَا‏;‏ فَبَطَلَ يَقِينًا أَنْ يَكُونَ فِي الْقُرْآنِ‏,‏ وَلاَ فِي السُّنَّةِ إيجَابُ حُكْمٍ فِي هَذَا الْمَكَانِ عَلَى غَيْرِ الْعَامِدِ الذَّاكِرِ الْقَاصِدِ إلَى الْمَعْصِيَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ‏}‏ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ‏.‏

وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا‏:‏ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ هُوَ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ الأَسَدِيِّ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ‏,‏ وَمَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ‏,‏ وَعُمَرُ‏:‏ يَسْأَلُ رَجُلاً قَتَلَ ظَبْيًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ عَمْدًا قَتَلْتَهُ أَمْ خَطَأً فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ‏:‏ لَقَدْ تَعَمَّدْت رَمْيَهُ وَمَا أَرَدْت قَتْلَهُ‏,‏ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ مَا أَرَاك إلاَّ أَشْرَكْت بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ‏;‏ أَعْمِدْ إلَى شَاةٍ فَاذْبَحْهَا فَتَصَدَّقْ بِلَحْمِهَا وَأَسِقْ إهَابَهَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَلَوْ كَانَ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِي ذَلِكَ سَوَاءً عِنْدَ عُمَرَ‏,‏ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمَا سَأَلَهُ عُمَرُ أَعَمْدًا قَتَلْتَهُ أَمْ خَطَأً وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ‏;‏ لأَِنَّه كَانَ يَكُونُ فُضُولاً مِنْ السُّؤَالِ لاَ مَعْنَى لَهُ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مَدِينَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ يَقْتُلُ الصَّيْدَ‏:‏ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ شَيْءٌ أَبُو مَدِينَةَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حِصْنٍ السَّدُوسِيُّ تَابِعِيٌّ‏,‏ سَمِعَ أَبَا مُوسَى‏,‏ وَابْنَ عَبَّاسٍ‏,‏ وَابْنَ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهم‏.‏

وَمِنْ طَرِيق شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمُحْرِمِ يَقْتُلُ الصَّيْدَ خَطَأً قَالَ‏:‏ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ قَالَ‏:‏ فَقُلْت لَهُ‏:‏ عَمَّنْ قَالَ‏:‏ السُّنَّةُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ عَهْدُنَا بِالْمَالِكِيِّينَ يَجْعَلُونَ قَوْلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إذْ سَأَلَهُ رَبِيعَةُ عَنْ قَوْلِهِ فِي الْمَرْأَةِ يُقْطَعُ لَهَا ثَلاَثُ أَصَابِعَ لَهَا ثَلاَثُونَ مِنْ الإِبِلِ فَإِنْ قُطِعَتْ لَهَا أَرْبَعُ أَصَابِعَ فَلَيْسَ لَهَا إلاَّ عِشْرُونَ مِنْ الإِبِلِ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ‏:‏ السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي‏;‏ فَجَعَلُوهُ حُجَّةً لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهَا‏.‏

وَقَدْ خَالَفَ سَعِيدٌ فِي ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ‏,‏ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرَهُمَا‏;‏ ثُمَّ لَمْ يَجْعَلُوا هَاهُنَا حُجَّةَ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ إنَّ السُّنَّةَ هِيَ أَنَّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ يَقْتُلُ الصَّيْدَ خَطَأً‏,‏ وَمَعَهُ الْقُرْآنُ‏,‏ وَالصَّحَابَةُ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ طَاوُوس قَالَ‏:‏ لاَ يُحْكَمُ إلاَّ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏

وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ‏,‏ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ‏,‏ وَعَطَاءٍ‏,‏ وَمُجَاهِدٍ فِيمَنْ أَصَابَ الْجَنَادِبَ خَطَأً قَالُوا‏:‏ لاَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَصَابَهَا مُتَعَمِّدًا حُكِمَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا‏.‏

وَصَحَّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يُحْكَمُ عَلَى مَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ وَهُوَ مُحْرِمٌ خَطَأً‏,‏ وَأَمَّا مَنْ قَتَلَهُ عَامِدًا ذَاكِرًا لاِِحْرَامِهِ فَلاَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏,‏ وَمَالِكٌ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ سَوَاءٌ يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ‏,‏ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ‏,‏ وَسَعْدٍ‏,‏ وَالنَّخَعِيِّ‏,‏ وَالشَّعْبِيِّ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ هُوَ مَا افْتَرَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا مِنْ الرُّجُوعِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَشَغَبَ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِأَنْ قَالُوا‏:‏ قَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَفَّارَةَ عَلَى قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً فَقِسْنَا عَلَيْهِ قَاتِلَ الصَّيْدِ خَطَأً قال علي‏:‏ هذا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ‏,‏ ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ‏;‏ وَلَكَانُوا أَيْضًا قَدْ فَارَقُوا حُكْمَ الْقِيَاسِ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا‏;‏ أَمَّا كَوْنُهُ خَطَأً‏;‏ فَلاَِنَّ مِنْ أَصْلِهِمْ الَّذِي لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ أَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ حُكْمِ أَصْلِهِ مَخْصُوصًا أَنَّهُ لاَ يُقَاسُ عَلَيْهِ‏,‏ وَالأَصْلُ أَنْ لاَ شَيْءَ عَلَى النَّاسِي وَالْمُخْطِئِ فَخَرَجَ عِنْدَهُمْ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً عَنْ أَصْلِهِ‏,‏ فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُقَاسَ عَلَيْهِ‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنْ لاَ يَقِيسُوا حُكْمَ الْوَاطِئِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ نَاسِيًا عَلَى الْوَاطِئِ فِيهِ عَمْدًا فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِمَا‏,‏ وَقَتْلُ الصَّيْدِ أَشْبَهُ بِالْوَطْءِ مِنْهُ بِقَتْلِ الْمُؤْمِنِ‏;‏ لأَِنَّ قَتْلَ الْمُؤْمِنِ لَمْ يَحِلَّ قَطُّ ثُمَّ حُرِّمَ‏,‏ بَلْ لَمْ يَزَلْ حَرَامًا مُذْ آمَنَ‏,‏ أَوْ مُذْ وُلِدَ إنْ كَانَ وُلِدَ عَلَى الإِسْلاَمِ‏.‏

وَأَمَّا الْوَطْءُ وَقَتْلُ الصَّيْدِ فَكَانَا حَلاَلَيْنِ‏,‏ ثُمَّ حُرِّمَا بِالصَّوْمِ وَبِالإِحْرَامِ فَجَمَعَتْهُمَا هَذِهِ الْعِلَّةُ فَأَخْطَئُوا فِي قِيَاسِ قَاتِلِ الصَّيْدِ خَطَأً عَلَى مَا لاَ يُشْبِهُهُ‏.‏

وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُمْ لِلْقِيَاسِ هُنَا فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ مِنْ أَصْلِهِمْ أَنَّ الْكَفَّارَاتِ لاَ يَجُوزُ أَنْ تُوجَبَ بِالْقِيَاسِ ثُمَّ أَوْجَبُوهَا هَاهُنَا بِالْقِيَاسِ‏;‏ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ‏,‏ وَالْمَالِكِيِّينَ قَاسُوا الْخَطَأَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ عَلَى الْخَطَأِ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ فَأَوْجَبُوا الْجَزَاءَ فِي كِلَيْهِمَا وَلَمْ يَقِيسُوا قَتْلَ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ عَمْدًا فَأَوْجَبُوا الْكَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ عَمْدًا وَلَمْ يُوجِبُوهَا فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا وَهَذَا تَنَاقُضٌ وَبَاطِلٌ‏.‏

وَأَيْضًا فَلَمْ يَقِيسُوا نَاسِي التَّسْمِيَةِ فِي التَّذْكِيَةِ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِتَرْكِهَا فِيهَا مَعَ مَجِيءِ الْقُرْآنِ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ هُنَالِكَ‏;‏ وَتَفْرِيقِ الْحُكْمِ هَاهُنَا‏.‏

وَالشَّافِعِيُّونَ فَرَّقُوا بَيْنَ النَّاسِي فِيمَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلاَةُ وَبَيْنَ الْعَامِدِ‏,‏ وَكَذَلِكَ فِي الصَّوْمِ وَسَاوَوْا هَاهُنَا بَيْنَ النَّاسِي وَالْعَامِدِ‏,‏ وَهَذَا اضْطِرَابٌ شَدِيدٌ‏.‏

وَقَالُوا‏:‏ لَيْسَ تَخْصِيصُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَمِّدَ بِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ بِمُوجَبِ أَنَّ الْمُخْطِئَ بِخِلاَفِهِ وَذَكَرُوا مَا نَحْتَجُّ بِهِ نَحْنُ وَمَنْ وَافَقَنَا مِنْهُمْ مِنْ النُّصُوصِ فِي إبْطَالِ الْقَوْلِ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ‏:‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا جَهْلٌ شَدِيدٌ مِنْ هَذَا الْقَائِلِ‏,‏ لاَِنَّنَا إذَا أَبْطَلْنَا الْقَوْلَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ لَمْ نُوجِبْ الْقَوْلَ بِالْقِيَاسِ بَلْ أَبْطَلْنَاهُمَا جَمِيعًا‏,‏ وَالْقِيَاسُ‏:‏ هُوَ أَنْ يُحْكَمَ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِحُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ‏,‏ وَدَلِيلُ الْخِطَابِ‏:‏ هُوَ أَنْ يُحْكَمَ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِخِلاَفِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ‏.‏

وَأَمَّا هُمْ فَتَلَوَّنُوا هَاهُنَا مَا شَاءُوا‏,‏ فَمَرَّةً يَحْكُمُونَ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِحُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ قِيَاسًا‏,‏ وَمَرَّةً يَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِخِلاَفِ حُكْمِهِ أَخْذًا بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ مُضَادٌّ لِلآخَرِ‏.‏

وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ نَتَعَدَّى الْقُرْآنَ، وَلاَ السُّنَّةَ وَنُوقِفُ أَمْرَ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَلاَ نَحْكُمُ لَهُ بِحُكْمِ الْمَنْصُوصِ، وَلاَ بِحُكْمٍ آخَرَ‏,‏ بِخِلاَفِ حُكْمِ الْمَنْصُوصِ‏;‏ لَكِنْ نَطْلُبُ حُكْمَهُ فِي نَصٍّ آخَرَ فَلاَ بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ وَلَمْ نَقُلْ قَطُّ هَاهُنَا‏:‏ إنَّهُ لَمَّا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى إيجَابِ الْجَزَاءِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ عَمْدًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُخْطِئُ بِخِلاَفِهِ‏,‏ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَقُولَ هَذَا‏,‏ لَكِنْ قلنا‏:‏ لَيْسَ فِي هَذِهِ الآيَةِ إلاَّ الْمُتَعَمِّدُ وَحْدُهُ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ لِلْمُخْطِئِ لاَ بِإِيجَابِ جَزَاءٍ عَلَيْهِ، وَلاَ بِإِسْقَاطِهِ عَنْهُ فَوَجَبَ طَلَبُ حُكْمِهِ فِي نَصٍّ آخَرَ‏,‏ إذْ لَيْسَ حُكْمُ كُلِّ شَيْءٍ مَوْجُودًا فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ‏,‏ وَهَذَا هُوَ الَّذِي لاَ يَعْقِلُ أَحَدٌ سِوَاهُ‏;‏ فَإِذَا وَجَدْنَا حُكْمَهُ حَكَمْنَا بِهِ‏,‏ إمَّا مُوَافِقًا لِهَذَا الْحُكْمِ الآخَرِ‏,‏ وَأَمَّا مُخَالِفًا لَهُ‏,‏ فَفَعَلْنَا‏:‏ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَسْقَطَ الْجُنَاحَ عَنْ الْمُخْطِئِ‏.‏

وَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وسلم قَدْ قَالَ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ وَأَنَّهُ قَدْ عَفَا عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ‏,‏ وَذَمَّ تَعَالَى مَنْ شَرَعَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ‏.‏

فَوَجَبَ بِهَذِهِ النُّصُوصِ أَنْ لاَ يَلْزَمَ قَاتِلُ الصَّيْدِ خَطَأً أَوْ نَاسِيًا لاِِحْرَامِهِ شَرْعُ صَوْمٍ‏,‏ وَلاَ غَرَامَةُ هَدْيٍ‏,‏ أَوْ إطْعَامٌ أَصْلاً‏;‏ فَظَهَرَ فَسَادُ احْتِجَاجِهِمْ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ‏.‏

وَاحْتَجُّوا أَيْضًا‏:‏ بِأَنْ قَالُوا‏:‏ لَمَّا كَانَ مُتْلِفُ أَمْوَالِ النَّاسِ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا بِالْخَطَأِ وَالْعَمْدِ وَكَانَ الصَّيْدُ مِلْكًا لِلَّهِ تَعَالَى وَجَبَ ضَمَانُهُ بِالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ‏,‏ وَلَكَانُوا أَيْضًا قَدْ أَخْطَئُوا فِيهِ‏.‏

أَمَّا كَوْنَهُ خَطَأً فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ مَا أُصِيبَ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ وَبَيْنَ حُكْمِ مَا أُصِيبَ مِنْ الصَّيْدِ فِي الإِحْرَامِ فَجَعَلَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ الْمِثْلَ‏,‏ أَوْ الْقِيمَةَ عِنْدَ عَدَمِ الْمِثْلِ‏,‏ وَجَعَلَ فِي الصَّيْدِ جَزَاءً مِنْ النَّعَمِ لاَ مِنْ مِثْلِهِ مِنْ الصَّيْدِ الْمُبَاحِ فِي الإِحْلاَلِ‏,‏ أَوْ إطْعَامًا‏,‏ أَوْ صِيَامًا‏,‏ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ‏;‏ فَسَوَّوْا بَيْنَ حُكْمَيْنِ قَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا وَهَذِهِ جُرْأَةٌ شَدِيدَةٌ وَخَطَأٌ لاَئِحٌ‏;‏ وَأَمَّا خَطَؤُهُمْ فِيهِ فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَاتِ لاَ يَجُوزُ أَنْ تُؤْخَذَ قِيَاسًا‏,‏ وَأَوْجَبُوا هَاهُنَا قِيَاسًا‏,‏ وَالْقَوْمُ لَيْسُوا فِي شَيْءٍ‏,‏ وَإِنَّمَا هُمْ فِي شَبَهِ اللَّعِبِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ‏.‏

وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَإِنَّهُمْ قَاسُوا مُتْلِفَ الصَّيْدِ خَطَأً عَلَى مُتْلِفِ أَمْوَالِ النَّاسِ عَمْدًا‏,‏ وَإِنَّمَا يَجِبُ عِنْدَهُمْ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ الْقِيمَةُ فَقَطْ‏,‏ وَيَجِبُ عِنْدَهُمْ فِي الصَّيْدِ الْمِثْلُ مِنْ النَّعَمِ‏,‏ أَوْ الإِطْعَامُ‏,‏ أَوْ الصِّيَامُ‏,‏ فَقَدْ تَرَكُوا قِيَاسَهُمْ الْفَاسِدَ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ اتَّبَعْنَا الْقُرْآنَ قلنا‏:‏ فَالْتَزَمُوا اتِّبَاعَهُ فِي الْعَامِدِ خَاصَّةً وَإِسْقَاطُ الْجُنَاحِ عَنْ الْمُخْطِئِ‏,‏ وَأَوْجَبُوا فِي الصَّيْدِ‏:‏ الْقِيمَةَ كَمَا فَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَرَدَ قِيَاسَهُ الْفَاسِدَ‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ لاَ يَرَوْنَ ضَمَانَ مَا وَلَدَتْ الْمَاشِيَةُ الْمَغْصُوبَةُ إلاَّ أَنْ تُسْتَهْلَكَ الأَوْلاَدِ‏,‏ وَيَرَى عَلَى مَنْ أَخَذَ صَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَوَلَدَ عِنْدَهُ‏,‏ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ‏:‏ أَنْ يَضْمَنَ الآُمَّ وَالأَوْلاَدَ‏,‏ فَأَيْنَ قِيَاسُهُ الصَّيْدَ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّونَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ الْخِنْزِيرَ‏,‏ وَكُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ‏,‏ وَكُلَّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ كَمَا حَرَّمَ الصَّيْدَ فِي الإِحْرَامِ‏,‏ وَكُلُّ ذَلِكَ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى‏,‏ ثُمَّ لاَ يُوجِبُونَ عَلَى مَنْ قَتَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جَزَاءً‏,‏ فَنَقَضُوا قِيَاسَهُمْ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لَمْ يُحَرِّمْ قَتْلَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ قلنا‏:‏ وَلاَ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْجَزَاءَ إلاَّ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ فأما الْتَزَمُوا النُّصُوصَ كَمَا وَرَدَتْ، وَلاَ تَتَعَدَّوْا حُدُودَ اللَّهِ‏,‏ وَأَمَّا اُطْرُدُوا قِيَاسَكُمْ فَأَوْجِبُوا الْجَزَاءَ فِي الْخِنْزِيرِ‏;‏ وَفِي السِّبَاعِ‏,‏ وَفِي ذَوَاتِ الْمَخَالِبِ‏,‏ كَمَا فَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ فَظَهَرَ أَيْضًا فَسَادُ أَقْوَالِهِمْ جُمْلَةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ إنَّمَا نَصَّ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِيَعْلَمَ أَنَّ حُكْمَ الْمُخْطِئِ مِثْلُهُ‏:‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذِهِ مِنْ أَسْخَفِ كَلاَمٍ فِي الأَرْضِ‏,‏ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا نَصَّ عَلَى أَنَّ جَزَاءَ قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ عَامِدًا فِي جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ‏,‏ لِيَعْلَمَ أَنَّ حُكْمَ قَاتِلِهِ مُخْطِئٌ مِثْلُهُ‏,‏ وَإِلاَّ فَقَدْ ظَهَرَ كَذِبُ هَذَا الْقَائِلِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏,‏ وَافْتِرَاؤُهُ عَلَى خَالِقِهِ لاِِخْبَارِهِ عَنْهُ بِالْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ قَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ قَاتِلِ الْعَمْدِ وَقَاتِلِ الْخَطَأِ‏.‏

قلنا‏:‏ وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ كُلِّ مُخْطِئٍ وَكُلِّ عَامِدٍ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ تَمْوِيهًا غَيْرَ هَذَا وَهُوَ كُلُّهُ ظَاهِرُ الْفَسَادِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُنَا‏:‏ إنَّ ذَلِكَ الصَّيْدَ حَرَامٌ أَكْلُهُ‏;‏ فَلاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ قَتْلاً وَنَهَى عَنْهُ وَلَمْ يُبِحْ لَنَا عَزَّ وَجَلَّ أَكْلَ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ إلاَّ بِالذَّكَاةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا عَزَّ وَجَلَّ‏,‏ وَلاَ شَكَّ عِنْدَ كُلِّ ذِي حَسَنٍ سَلِيمٍ أَنَّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ الذَّكَاةِ هُوَ غَيْرُ مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ الْقَتْلِ‏;‏ فَإِذْ هُوَ غَيْرُهُ فَالْقَتْلُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ لَيْسَ ذَكَاةً‏;‏ وَإِذْ لَيْسَ هُوَ ذَكَاةٌ فَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ الْحَيَوَانِ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

فإن قيل‏:‏ فَهَلاَّ خَصَّصْتُمْ الْعَامِدَ بِذَلِكَ قلنا‏:‏ نَصُّ الآيَةِ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ‏;‏ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ‏}‏ فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ‏,‏ وَسَمَّى إتْلاَفَ الصَّيْدِ فِي حَالِ الْحَرَمِ قَتْلاً وَحَرَّمَهُ‏.‏

ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ‏}‏ فَأَوْجَبَ حُكْمَ الْجَزَاءِ عَلَى الْعَامِدِ خَاصَّةً بِخِلاَفِ النَّهْيِ الْعَامِّ فِي أَوَّلِ الآيَةِ‏.‏

وَأَمَّا بُطْلاَنُ إحْرَامِهِ بِذَلِكَ‏:‏ فَلاَِنَّهُ بِلاَ خِلاَفٍ مَعْصِيَةٌ‏,‏ وَالْمَعَاصِي كُلُّهَا فُسُوقٌ‏;‏ وَالإِحْرَامُ يَبْطُلُ بِالْفُسُوقِ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ‏.‏

وَمِنْ شَنَعِ الأَقْوَالِ وَفَاسِدِهَا إبْطَالُ الْمَالِكِيِّينَ الْحَجَّ بِالدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَمْ يَمْنَعْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام‏,‏ ثُمَّ لَمْ يُبْطِلُوهُ بِالْفُسُوقِ الْكَبِيرِ الَّذِي تَوَعَّدَ اللَّهُ تَعَالَى أَشَدَّ الْوَعِيدِ فِيهِ وَهُوَ قَتْلُ الصَّيْدِ عَمْدًا‏.‏

وَأَبْطَلُوا هُمْ‏,‏ وَالْحَنَفِيُّونَ الإِحْرَامَ بِالْوَطْءِ نَاسِيًا وَلَمْ يُبْطِلْهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ، وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُبْطِلُوهُ بِقَتْلِ الصَّيْدِ الْمُحْرِمِ‏.‏

وَأَبْطَلُوا هُمْ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّونَ الْحَجَّ بِالإِكْرَاهِ عَلَى الْوَطْءِ وَلَمْ يُبْطِلْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ بِهِ، وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام‏,‏ وَلَمْ يُبْطِلُوهُ بِقَتْلِ الصَّيْدِ عَمْدًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

877 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

فَلَوْ أَنَّ كِتَابِيًّا قَتَلَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ‏}‏ فَوَجَبَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

878 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَأَمَّا الْمُتَعَمِّدُ لِقَتْلِ الصَّيْدِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ أَيُّهَا شَاءَ فَعَلَهُ وَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يُهْدِيَ مِثْلَ الصَّيْدِ الَّذِي قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ وَهِيَ‏:‏ الإِبِلُ‏,‏ وَالْبَقَرُ‏,‏ وَالْغَنَمُ ضَأْنُهَا‏,‏ وَمَاعِزُهَا وَعَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يُشْبِهُ الصَّيْدَ الَّذِي قَتَلَ مِمَّا قَدْ حَكَمَ بِهِ عَدْلاَنِ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم‏,‏ أَوْ مِنْ التَّابِعِينَ رحمهم الله‏,‏ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ تَحْكِيمَ حُكْمَيْنِ الآنَ وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ مَسَاكِينَ‏;‏ وَأَقَلُّ ذَلِكَ ثَلاَثَةٌ‏,‏ وَإِنْ شَاءَ نَظَرَ إلَى مَا يُشْبِعُ ذَلِكَ الصَّيْدَ مِنْ النَّاسِ‏,‏ فَصَامَ بَدَلَ كُلِّ إنْسَانٍ يَوْمًا‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا‏}‏‏.‏

فَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى التَّخْيِيرَ فِي ذَلِكَ بِلَفْظَةِ ‏"‏ أَوْ ‏"‏ وَأَوْجَبَ مِنْ الْمِثْلِ مَا حَكَمَ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنَّا‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ الصَّاحِبَيْنِ إذَا حَكَمَا بِمِثْلٍ فِي ذَلِكَ فَقَدْ صَارَ فَرْضًا لاَزِمًا لاَ يَحِلُّ تَعَدِّيهِ‏;‏ وَكَذَلِكَ الصَّاحِبُ وَالتَّابِعُ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ حُكْمُ صَاحِبَيْنِ‏;‏ وَكَذَلِكَ حُكْمُ التَّابِعِينَ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِي حُكْمِ صَاحِبٍ‏,‏ وَأَوْجَبَ تَعَالَى طَعَامَ مَسَاكِينَ‏,‏ وَهَذَا بِنَاءً لاَ يَقَعُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ‏,‏ وَيَقَعُ عَلَى ثَلاَثَةٍ فَصَاعِدًا إلَى مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى إحْصَائِهِ إلاَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏;‏ فَكَانَ إيجَابُ عَدَدٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةٍ قَوْلاً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِلاَ بُرْهَانٍ‏,‏ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ وَوَجَبَ إطْعَامُ الثَّلاَثَةِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ لاَ أَقَلَّ‏,‏ فَإِنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعُ خَيْرٍ‏.‏

وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَقْطَعُ بِأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ أَنْ يُلْزِمَ فِي هَذَا عَدَدًا مَحْدُودًا مِنْ الْمَسَاكِينِ لاَ يُوجِبُهُ ظَاهِرُ الآيَةِ أَوْ صِفَةٌ مِنْ الإِطْعَامِ لاَ يَقْتَضِيه وَظَاهِرُ الآيَةِ لَمَا أَغْفَلَهُ عَمْدًا، وَلاَ نَسِيَهُ‏,‏ وَلَبَيَّنَهُ لَنَا فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا بَيَّنَ عَدَدَ الْمَسَاكِينِ فِي كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ‏,‏ وَكَفَّارَةِ الْعَوْدِ لِلظِّهَارِ‏,‏ وَكَفَّارَةِ الأَيْمَانِ‏,‏ وَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ‏,‏ وَكَفَّارَةِ حَلْقِ الرَّأْسِ لِلأَذَى فِي الإِحْرَامِ‏,‏ فَإِذَا لَمْ يَنُصَّ تَعَالَى هُنَا عَلَى عَدَدٍ بِعَيْنِهِ، وَلاَ عَلَى صِفَةٍ بِعَيْنِهَا فَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ الصَّادِقَةِ أَنَّهُ لَمْ يُلْزِمْ فِي ذَلِكَ غَيْرَ مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ الآيَةِ بِيَقِينٍ لاَ مَجَالَ لِلشَّكِّ فِيهِ‏,‏ وَلاَ يُمْكِنُ سِوَاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ‏:‏ كَقَوْلِنَا إلاَّ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ مَا أُطْعِمُهُمْ وَأَيُّ مِقْدَارٍ أُطْعِمُهُمْ أَجْزَأَهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا بَاطِلٌ‏;‏ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ‏:‏ ‏{‏طَعَامُ مَسَاكِينَ‏}‏ فَلَوْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ لاََجْزَأَ إطْعَامُ حَبَّةِ بَرَّةٍ لِمِسْكِينٍ‏,‏ أَوْ حَبَّةَ خَرْدَلَةٍ‏,‏ أَوْ وَزْنَ حَبَّةِ صَبْرٍ‏,‏ أَوْ شَحْمَ حَنْظَلٍ‏,‏ وَهَذَا بَاطِلٌ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ‏:‏ ‏{‏الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ‏}‏‏.‏

وَذَكَرَ تَعَالَى عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ ذَكَرَ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي حَمْدِهِ إيَّاهُ هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي فَإِنَّمَا أَرَادَ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ بِلاَ شَكٍّ مَا أَمْسَكَ الْحَيَاةَ وَطَرَدَ الْجُوعَ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ لاَ مِمَّا يَحْرُمُ، وَلاَ مِمَّا هُوَ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ‏.‏

فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ يُشْبِعُ ثَلاَثَ مَسَاكِينَ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ‏,‏ وَأَمَّا سَائِرُ مَا فِيهِ الإِطْعَامُ فَقَدْ جَاءَ مِقْدَارُ مَا يُطْعِمُ فِيهِ مَنْصُوصًا وَهِيَ‏:‏ أَرْبَعَةُ مَوَاضِعَ فَقَطْ‏,‏ الإِطْعَامُ فِي وَطْءِ الأَهْلِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَمْدًا‏,‏ وَالإِطْعَامُ فِي الظِّهَارِ‏,‏ وَالإِطْعَامُ فِي كَفَّارَةِ الأَيْمَانِ‏,‏ وَالإِطْعَامُ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ لِلْمَرِيضِ الْمُحْرِمِ قَبْلَ مَحِلِّهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي الصِّيَامِ‏:‏ فَإِنَّ الإِشَارَةَ بِلَفْظَةِ ذَلِكَ إنَّمَا تَقَعُ فِي اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الَّذِي بِهِ نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَبْعَدِ مَذْكُورٍ‏,‏ وَكَانَ الصَّيْدُ فِي هَذِهِ الآيَةِ أَبْعَدَ مَذْكُورٍ فَلَزِمَ بِذَلِكَ عَدْلَهُ صِيَامًا‏,‏ وَلاَ يَكُونُ عَدْلُهُ أَصْلاً إلاَّ كَمَا ذَكَرْنَا‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَوَّمَهُ قِيمَةً‏,‏ ثُمَّ قَوَّمَ الْقِيمَةَ طَعَامًا‏,‏ ثُمَّ رَأَى عَدْلَ ذَلِكَ صِيَامًا فَلَمْ يُوجِبْ عَدْلَ الصَّيْدِ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ عَدْلَ قِيمَتِهِ وَلَيْسَ هَذَا فِي الآيَةِ فَبَطَلَ الْقَوْلُ بِهِ جُمْلَةً‏.‏

ثُمَّ نَسْأَلُ مَنْ قَالَ بِتَقْوِيمِ الْهَدْيِ دَرَاهِمَ‏,‏ أَوْ طَعَامًا‏;‏ أَيُّ الْهَدْيِ تُقَوِّمَ وَقَدْ يَخْتَلِفُ قِيَمُ النُّوقِ‏,‏ وَالْبَقَرِ‏,‏ وَالْغَنَمِ‏,‏ فَأَيُّ نَاقَةٍ تُقَوَّمُ أَمْ أَيُّ بَقَرَةٍ تُقَوَّمُ أَمْ أَيُّ شَاةٍ وَهَذَا إلْزَامٌ مُضْمَحِلٌّ بِلاَ بُرْهَانٍ‏.‏

ثم نقول لِمَنْ قَالَ بِتَقْوِيمِ الصَّيْدِ‏:‏ مَتَى تُقَوِّمُهُ أَحَيًّا أَمْ مَقْتُولاً فَإِنْ قَالُوا‏:‏ مَقْتُولاً قلنا‏:‏ هُوَ عِنْدَكُمْ جِيفَةٌ مَيِّتَةٌ‏,‏ وَلاَ قِيمَةَ لِلْمَيْتَةِ‏;‏ ثُمَّ هُوَ أَيْضًا مِنْكُمْ قَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ‏.‏

وَإِنْ قَالُوا‏:‏ بَلْ يُقَوَّمُ حَيًّا قلنا‏:‏ وَمَا بُرْهَانُكُمْ عَلَى ذَلِكَ وَقِيمَتُهُ حَيًّا تَخْتَلِفُ فَيَكُونُ حِمَارُ وَحْشٍ يَرْغَبُ فِيهِ الْمُلُوكُ حَيًّا فَيُغَالُونَ بِهِ فَإِذَا ذُكِّيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَبِيرُ قِيمَةٍ‏,‏ ثُمَّ فِي أَيِّ الْمَوَاضِعِ يُقَوَّمُ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ حَيْثُ أُصِيبَ قلنا‏:‏ فَإِنْ أُصِيب بِفَلاَةٍ لاَ قِيمَةَ لَهُ فِيهَا أَصْلاً وَكُلُّ مَا قَالُوهُ فَبِلاَ دَلِيلٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ هَاهُنَا فِي مَوَاضِعَ‏,‏ أَحَدُهَا التَّخْيِيرُ‏:‏ فَقَالَ قَوْمٌ‏:‏ هَذَا عَلَى التَّرْتِيبِ، وَلاَ يُجْزِئُهُ إلاَّ الْهَدْيُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَالإِطْعَامُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَالصِّيَامُ‏:‏ رُوِّينَا هَذَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ إذَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ جَزَاءُ ذَبْحِهِ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ جَزَاءٌ قُوِّمَ جَزَاؤُهُ دَرَاهِمَ‏;‏ ثُمَّ قُوِّمَتْ الدَّرَاهِمُ طَعَامًا فَصَامَ مَكَانَ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا‏,‏ وَإِنَّمَا جُعِلَ الطَّعَامَ لِلصَّائِمِ‏;‏ لأَِنَّه إذَا وُجِدَ الطَّعَامُ وُجِدَ جَزَاؤُهُ‏.‏

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏,‏ وَعَطَاءٍ‏,‏ وَمُجَاهِدٍ‏,‏ وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانٍ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ‏,‏ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ ‏"‏ أَوْ ‏"‏ فَهُوَ مُخَيَّرٌ وَكُلُّ شَيْءٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَهُوَ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ‏.‏

وَرُوِّينَا التَّخْيِيرَ أَيْضًا‏:‏ عَنْ عَطَاءٍ‏,‏ وَمُجَاهِدٍ‏,‏ وَإِبْرَاهِيمَ‏,‏ وَالزُّهْرِيِّ‏,‏ وَقَتَادَةَ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَمَالِكٍ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَحْمَدُ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏.‏

وَإِذَا تَنَازَعَ النَّاسُ فَالْمَرْجِعُ إلَى الْقُرْآنِ‏,‏ وَحُكْمُ الْقُرْآنِ التَّخْيِيرُ‏,‏ وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ قَاسَ قَاتِلَ الصَّيْدِ خَطَأً عَلَى الْعَامِدِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ‏,‏ أَوْ عَلَى قَاتِلِ الْخَطَأِ أَنْ يَقِيسَ حُكْمَ كَفَّارَةِ الصَّيْدِ عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَيَجْعَلُهَا عَلَى التَّرْتِيبِ كَمَا كَفَّارَةُ الْقَتْلِ عَلَى التَّرْتِيبِ وَإِلاَّ فَقَدْ تَنَاقَضُوا وَمِنْهَا اسْتِئْنَافُ التَّحْكِيمِ فَإِنَّ الرِّوَايَةَ جَاءَتْ عَنْ طَاوُوس‏:‏ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْحُكْمَ وَيَحْكُمَانِ بِحُكْمِ يَوْمِهِمَا، وَلاَ يَنْظُرَانِ إلَى حُكْمِ مَنْ مَضَى‏,‏ فَإِنَّ مَالِكًا‏,‏ وَابْنَ أَبِي لَيْلَى‏,‏ وَالْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ‏,‏ وَالثَّوْرِيَّ قَالُوا‏:‏ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ اسْتِئْنَافِ تَحْكِيمِ حَكَمَيْنِ‏,‏ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ مَالِكٌ‏:‏ الْخِيَارُ إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لاَ إلَى الْحَكَمَيْنِ‏;‏ وَيَقُولُ لَهُمَا‏:‏ لاَ تَحْكُمَا عَلَيَّ إلاَّ بِالإِطْعَامِ إنْ شَاءَ أَوْ بِالصِّيَامِ إنْ شَاءَ‏,‏ أَوْ بِالْجَزَاءِ إنْ شَاءَ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى‏,‏ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ‏,‏ وَالْحَسَنُ‏,‏ وَابْنُ حَيٍّ‏:‏ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ إلَى الْحَكَمَيْنِ لاَ إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ‏.‏

وقال مالك‏:‏ لاَ يَجُوزُ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يَحْكُمَا بِغَيْرِ حُكْمِ مَنْ مَضَى‏.‏

قَالَ ابْنُ حَيٍّ‏:‏ إنْ كَانَ حُكْمُ الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ حُكْمِ مَنْ مَضَى‏;‏ حُكِمَ بِحُكْمِ الْيَوْمِ‏,‏ وَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْيَوْمِ أَقَلَّ مِنْ حُكْمِ مَنْ مَضَى‏:‏ حُكِمَ بِحُكْمِ مَنْ مَضَى‏.‏

وقال أبو حنيفة‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏,‏ أَبُو سُلَيْمَانَ‏:‏ لاَ يَسْتَأْنِفُ الْحُكْمَ الْيَوْمَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ‏:‏ إنَّمَا هُوَ مَا حَكَمَ بِهِ السَّلَفُ لاَ يَجُوزُ تَجَاوُزُهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ مَا حَكَمَ بِهِ فِي ذَلِكَ ذَوَا عَدْلٍ مِنَّا فَإِذَا حَكَمَ اثْنَانِ مِنْ السَّلَفِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّاعَةَ لِمَا حَكَمَا بِهِ فَاسْتِئْنَافُ تَحْكِيمِ آخَرَيْنِ لاَ مَعْنَى لَهُ‏;‏ لأَِنَّه لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ‏:‏ فَهُوَ عَمَلٌ فَارِغٌ فَاسِدٌ لاَ فَائِدَةَ فِيهِ أَصْلاً‏.‏

ثُمَّ قَوْلُ مَالِكٍ‏:‏ إنَّ الْخِيَارَ إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ خَطَأً مُكَرَّرٌ‏,‏ إذْ لَوْ وَجَبَ تَحْكِيمُ حَكَمَيْنِ لاَ تَجِبُ طَاعَتُهُمَا فِيمَا حَكَمَا بِهِ مِمَّا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِمَا الْحُكْمَ بِهِ لَكَانَ ذَلِكَ عَمَلاً فَاسِدًا‏.‏

فَإِنْ مَوَّهُوا بِالْحَكَمَيْنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ إلَيْهِمَا فُرْقَةً، وَلاَ إيجَابَ غَرَامَةٍ‏,‏ وَإِنَّمَا جَعَلَ تَعَالَى إلَيْهِمَا الإِصْلاَحَ لِيُوَفِّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا فَقَطْ‏.‏

وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَ مَنْ ذَكَرْنَا رَأَى التَّحْكِيمَ فِي الإِطْعَامِ‏,‏ وَالصِّيَامِ‏,‏ وَهَذَا خَطَأٌ‏;‏ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ التَّحْكِيمَ فِي ذَلِكَ إلاَّ فِي الْجَزَاءِ بِالْهَدْيِ فَقَطْ هَذَا هُوَ نَصُّ الآيَةِ‏,‏ ثُمَّ الْقَائِلُ بِهَذَا قَدْ خَالَفَ مَا جَاءَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحُكْمِ فِي الإِطْعَامِ‏,‏ وَالصِّيَامِ فَتَنَاقَضَ‏.‏

وَمِنْهَا مِقْدَارُ الإِطْعَامِ‏,‏ وَالصِّيَامِ‏:‏ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا أَنْ يُقَوَّمَ الْجَزَاءُ مِنْ النَّعَمِ دَرَاهِمَ‏,‏ ثُمَّ تُقَوَّمُ الدَّرَاهِمُ طَعَامًا فَيَصُومُ بَدَلَ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا‏;‏ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا كَذَلِكَ‏,‏ وَكِلاَهُمَا لاَ يَصِحُّ عَنْهُمَا‏,‏ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الإِطْعَامَ يَكُونُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ‏.‏

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ إنْ قَتَلَ نَعَامَةً‏,‏ أَوْ حِمَارَ وَحْشٍ فَبَدَنَةٌ مِنْ الإِبِلِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَطْعَمَ ثَلاَثِينَ مِسْكِينًا‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلاَثِينَ يَوْمًا وَالإِطْعَامُ مُدُّ مُدٍّ فَقَطْ‏,‏ فَإِنْ قَتَلَ أُيَّلاً أَوْ نَحْوَهُ فَبَقَرَةٌ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَطْعَمَ عِشْرِينَ مِسْكِينًا‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عِشْرِينَ يَوْمًا‏,‏ فَإِنْ قَتَلَ ظَبْيًا فَشَاةٌ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَإِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ مَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم قَوْلَةً غَيْرَ هَذِهِ الَّتِي ذَكَرْنَا‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ أَنْ يَحْكُمَ فِي ذَلِكَ بِهَدْيٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قُوِّمَ الْهَدْيُ طَعَامًا‏,‏ ثُمَّ قُوِّمَ الطَّعَام صِيَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ‏,‏ وَمَكَانُ كُلِّ مِسْكِينٍ صَوْمُ يَوْمٍ‏.‏

وَعَنْ إبْرَاهِيمَ نَحْوَ هَذَا‏.‏

وَعَنْ الْحَسَنِ مِثْلُهُ أَيْضًا‏.‏

وَعَنْ عَطَاءٍ يُقَوَّمُ الْجَزَاءُ طَعَامًا‏,‏ ثُمَّ يَصُومُ بَدَلَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا‏,‏ فَإِنْ وَجَدَ الطَّعَامَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّوْمِ أَطْعَمَ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا بَدَلَ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ صِيَامَ يَوْمٍ‏.‏

عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانٍ‏:‏ أَنَّ صِيَامَ يَوْمٍ بَدَلَ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا‏.‏

وَعَنْ أَبِي عِيَاضٍ وَهُوَ تَابِعِيٌّ رَوَى عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ‏:‏ أَكْثَرُ الصَّوْمِ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا‏.‏

وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ الصَّوْمُ فِي فِدْيَةِ الصَّيْدِ مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ مَا نَعْلَمُ عَنْ تَابِعٍ فِي هَذَا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا‏.‏

وَقَالَ اللَّيْثُ‏:‏ لاَ يَتَجَاوَزُ فِي ذَلِكَ بِالصَّوْمِ سِتِّينَ يَوْمًا‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يُقَوِّمُ الصَّيْدَ دَرَاهِمَ فَيَبْتَاعُ بِهَا طَعَامًا فَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعَ شَعِيرٍ أَوْ زَبِيبٍ‏,‏ أَوْ يَصُومُ بَدَلَ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا‏,‏ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ‏.‏

وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ‏,‏ إلاَّ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ يُطْعِمُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدًّا مُدًّا أَوْ يَصُومُ بَدَلَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا‏,‏ وَقَوْلُهُمْ بِتَقْوِيمِ الصَّيْدِ لاَ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُمْ عَنْ أَحَدٍ وَإِنَّمَا قَالَ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلُ بِتَقْوِيمِ الْهَدْيِ وَهُوَ الْجَزَاءُ‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ يُقَوَّمُ الْجَزَاءُ لاَ الصَّيْدُ دَرَاهِمَ‏,‏ ثُمَّ تُقَوَّمُ الدَّرَاهِمُ طَعَامًا فَيُطْعِمُ مُدًّا مُدًّا أَوْ يَصُومُ بَدَلَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا‏.‏

وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ‏:‏ الإِطْعَامُ ثَلاَثَةُ آصُعَ لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ‏,‏ وَالصِّيَامُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ فَقَطْ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُهُ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ‏,‏ وَكُلُّهَا قَدْ خَالَفَهَا أَبُو حَنِيفَةَ‏,‏ وَمَالِكٌ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏,‏ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ‏,‏ لأَِنَّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ التَّرْتِيبَ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهِ‏.‏

وَفِيهِ‏:‏ أَنْ يُقَوِّمَ الْجَزَاءَ‏,‏ وَلاَ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ‏,‏ وَلاَ مَالِكٌ بِهِ‏.‏

وَفِيهِ‏:‏ عَنْهُ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مَكَانُ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا‏,‏ وَلاَ يَقُولُ مَالِكٌ‏,‏ وَلاَ الشَّافِعِيُّ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ الثَّانِي فَكُلُّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ جُمْلَةً‏,‏ وَلاَ يُعْرَفُ فِيمَا ذَكَرْنَا لاِبْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ لَمْ نَجِدْ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ بُرْهَانًا مِنْ قُرْآنٍ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٍ‏,‏ وَلاَ حُجَّةٍ إلاَّ فِيهِمَا‏,‏ وَلاَ أَفْحَشُ قَوْلاً مِمَّنْ اسْتَسْهَلَ خِلاَفَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِرَأْيِ نَفْسِهِ أَوْ بِرَأْيِ تَابِعٍ قَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ التَّابِعِينَ‏,‏ ثُمَّ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ الْتِزَامًا لِلْقُرْآنِ‏,‏ وَنَحْنُ رَاضُونَ مَسْرُورُونَ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَنَا وَلَهُمْ لاَ أَعْدَمَنَا اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ آمِينَ‏.‏

وَالتَّابِعُونَ مُخْتَلِفُونَ كَمَا ذَكَرْنَا فَمَنْ تَعَلَّقَ بِبَعْضِ قَوْلَةٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ بِلاَ نَصٍّ فِي ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَهُ نَفْسَهُ وَغَيْرُهُ مِنْ التَّابِعِينَ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلَةٍ أُخْرَى فِي الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا‏,‏ وَإِنَّمَا هُمْ سَبْعَةٌ فَقَطْ مُخْتَلِفُونَ مُتَنَازِعُونَ‏:‏ مُجَاهِدٌ‏,‏ وَعَطَاءٌ ‏,‏، وَإِبْرَاهِيمُ‏,‏ وَالْحَسَنُ‏,‏ وَأَبُو عِيَاضٍ‏,‏ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ‏,‏ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانٍ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَسُفْيَانَ‏,‏ وَمَالِكٍ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ فَمَعَ اخْتِلاَفِهِمْ وَتَنَازُعِهِمْ فَلاَ بُرْهَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ لاَ مِنْ قُرْآنٍ‏,‏ وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ‏,‏ وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ‏,‏ وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ‏,‏ وَلاَ قِيَاسٍ‏,‏ وَلاَ مِنْ تَابِعٍ مُوَافِقٍ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ فِي قَوْلِهِ كُلِّهِ فِي ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا اللَّيْثُ فَإِنَّهُ قَاسَ الصِّيَامَ فِي ذَلِكَ عَلَى الصِّيَامِ فِي قَتْلِ النَّفْسِ‏,‏ وَلَقَدْ كَانَ يُلْزِمُ مَنْ قَاسَ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ خَطَأً عَلَى وُجُوبِهَا فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً أَنْ يَقِيسَ الصِّيَامَ فِي هَذِهِ عَلَى الصِّيَامِ فِي ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ اللَّيْثُ‏,‏ وَلاَ سِيَّمَا مَنْ لَمْ يُبْلِغْ دِيَةَ الْعَبْدِ وَالأَمَةِ إلَى دِيَةِ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ‏,‏ وَمَنْ جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمًا‏,‏ وَقَالَ‏:‏ لاَ أُفَضِّلُ بَهِيمَةً عَلَى إنْسَانٍ‏,‏ ثُمَّ فَضَّلَ الْبَهَائِمَ هَاهُنَا عَلَى النَّاسِ فِي الصِّيَامِ عَنْ نُفُوسِهَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ‏,‏ وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَاهُنَا بَاطِلاً‏;‏ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ مِثْلاً مِنْ النَّعَمِ أَوْ إطْعَامًا وَلَمْ يُوجِبْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً بَلْ أَوْجَبَ هُنَالِكَ دِيَةً‏.‏

وَعِتْقَ رَقَبَةٍ وَلَمْ يُوجِبْهَا هَاهُنَا‏;‏ فَكَيْفَ يَسْتَجِيزُ أَحَدٌ قِيَاسَ شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ قَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا‏.‏

وَأَمَّا أَبُو ثَوْرٍ فَإِنَّهُ قَاسَ الإِطْعَامَ‏,‏ وَالصِّيَامَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى الإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ فِي فِدْيَةِ حَلْقِ الْمُحْرِمِ رَأْسَهُ لِلأَذَى يَكُونُ بِهِ وَالْمَرَضِ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ‏,‏ ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ‏;‏ لأَِنَّ قَاتِلَ الصَّيْدِ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَاسِقٌ آثِمٌ‏,‏ ثُمَّ مُتَوَعِّدٌ أَشَدَّ الْوَعِيدِ‏,‏ وَحَالِقُ رَأْسِهِ لِمَرَضِ بِهِ‏:‏ مُطِيعٌ مُحْسِنٌ مَأْجُورٌ‏,‏ فَكَيْفَ يَجُوزُ قِيَاسُ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ وَلَيْسَ مِثْلُهُ ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَجَعَلَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ تَحْكِيمَ حَكَمَيْنِ وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ فِي حَالِقِ رَأْسِهِ‏,‏ وَهَذَا بَيِّنٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وقد رُوِّينَا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي مَسْأَلَةٍ فَقَالَ‏:‏ أَحْسَنُ مَا كُنْت أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يُوَافِقُنِي عَلَيْهَا‏,‏ فَلَمْ يُنْكِرْ أَبُو يَعْقُوبَ رحمه الله الْقَوْلَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ بِهِ قَائِلٌ إذَا وَافَقَ الْقُرْآنَ‏,‏ أَوْ السُّنَّةَ لاَ كَمَنْ يُنْكِرُ هَذَا ثُمَّ يَأْتِي بِأَقْوَالٍ مِنْ رَأْيِهِ مُخَالِفَةٍ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ لاَ يَعْرِفُ أَنَّ أَحَدًا قَالَ بِهَا قَبْلَهُ‏,‏ وَفِي قَوْلِ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَمَالِكٍ‏,‏ وَاللَّيْثِ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ مَا لاَ يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا قَالَ بِهِ قَبْلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ التَّقْسِيمِ الَّذِي قَسَّمُوهُ‏,‏ فَمُتَّبِعُ الْقُرْآنِ‏,‏ وَالسُّنَّةِ أَوْلَى بِالْحَقِّ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ مَا هُوَ الْمِثْلُ الَّذِي يُجْزِئُ بِهِ الصَّيْدُ مِنْ النَّعَمِ فَإِنَّ الرِّوَايَةَ جَاءَتْ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَائِذُ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءٍ‏,‏ وَمُجَاهِدٍ‏,‏ وَإِبْرَاهِيمَ قَالُوا جَمِيعًا‏:‏ إذَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا حُكِمَ عَلَيْهِ بِثَمَنِهِ فَاشْتَرَى بِهِ هَدْيًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قُوِّمَ طَعَامًا فَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ لِكُلِّ صَاعٍ يَوْمَيْنِ‏.‏

وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَطَاءٍ‏,‏ وَمُجَاهِدٍ‏,‏ وَإِبْرَاهِيمَ غَيْرُ هَذَا‏,‏ وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ الْجَزَاءُ بِالْمِثْلِ مِنْ النَّعَمِ لاَ بِالْقِيمَةِ وَهَكَذَا رُوِّينَا عَنْ عُثْمَانَ‏,‏ وَعُمَرَ‏,‏ وَعَلِيٍّ‏,‏ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ‏,‏ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ‏,‏ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ‏,‏ وَابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَمُعَاوِيَةَ‏,‏ وَابْنِ مَسْعُودٍ‏,‏ وَطَارِقِ بْنِ شِهَابٍ‏,‏ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ‏,‏ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهم‏,‏ وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي ذَلِكَ‏.‏

وَكَذَلِكَ أَيْضًا عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ التَّابِعِينَ‏,‏ وَعَنْ شُرَيْحٍ‏,‏ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏,‏ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ‏,‏ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ وَابْنِ حَيٍّ‏,‏ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى‏,‏ وَأَحْمَدَ‏,‏ وَإِسْحَاقَ‏,‏ وَأَبِي ثَوْرٍ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

فَأَتَى أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلٍ لَمْ يُسْمَعْ بِأَوْحَشَ مِنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ‏,‏ وَهُوَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ مَنْ قَتَلَ صَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَإِنَّهُ يُقَوِّمُ الصَّيْدَ دَرَاهِمَ‏,‏ ثُمَّ يَبْتَاعُ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ مَا بَلَغَتْ مِنْ الْهَدْيِ، وَلاَ يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ إلاَّ الْجِذْعُ مِنْ الضَّأْنِ فَصَاعِدًا وَالثَّنْيُ مِنْ الإِبِلِ‏,‏ وَالْبَقَرُ‏,‏ وَالْمَاعِزُ‏,‏ فَصَاعِدًا‏.‏

فَإِنْ وَجَدَ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ هَدْيَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً أَوْ أَرْبَعَةً‏:‏ لَزِمَهُ أَنْ يُهْدِيَ كُلَّ ذَلِكَ هَكَذَا يَفْعَلُ فِي الظَّبْيِ وَالنَّعَامَةِ‏,‏ وَحِمَارِ الْوَحْشِ‏,‏ وَالإِبِلِ‏,‏ وَالْبَقَرَةِ الْوَحْشِيَّةِ‏,‏ وَالضَّبِّ‏,‏ وَالْيَرْبُوعِ وَالْحَمَامَةِ‏,‏ وَغَيْرِ ذَلِكَ‏.‏

فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ قِيمَةُ ذَلِكَ هَدْيًا ابْتَاعَ بِهِ طَعَامًا فَأَطْعَمَ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْهُ قَبْلُ‏.‏

فَإِنْ قَتَلَ فِيلاً لَمْ يَتَجَاوَزْ بِالْهَدْيِ فِي جَزَائِهِ شَاةً وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ إنْ قَتَلَ قِرْدًا‏.‏

وَيُجْزِئُ الْخِنْزِيرُ الْبَرِّيُّ إنْ قَتَلَهُ‏;‏ فَلَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يُقَوَّمُ الْخِنْزِيرُ وَقَالَ صَاحِبُهُ زُفَرُ‏:‏ يُقَوَّمُ الصَّيْدُ فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَةُ النَّعَامَةِ أَكْثَرَ مِنْ بَدَنَةٍ لَمْ يَتَجَاوَزْ بِهَا بَدَنَةً وَاحِدَةً‏,‏ فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَةُ حِمَارِ الْوَحْشِ‏,‏ وَثَوْرِ الْوَحْشِ‏,‏ وَالأَيْلِ‏,‏ وَالأَرْوِيِّ أَكْثَرَ مِنْ بَقَرَةٍ لَمْ يَتَجَاوَزْ بِهَا بَقَرَةً وَاحِدَةً‏;‏ فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَةُ الثَّيْتَلِ وَالْغَزَالِ‏,‏ وَالظَّبْيِ‏,‏ وَالأَرْنَبِ‏,‏ وَالْوَبَرِ‏,‏ وَالْيَرْبُوعِ‏,‏ وَالضَّبِّ‏,‏ وَالْحَمَامَةِ‏,‏ وَالْحَجْلَةِ‏,‏ وَالْقَطَاةِ‏,‏ وَالدُّبْسِيِّ‏,‏ وَالْحِبَارَيْ‏,‏ وَالْكَرَوَانِ‏,‏ وَالْكَرَاكِيِّ‏,‏ وَالدَّجَاجَةِ الْحَبَشِيَّةِ‏,‏ أَكْثَرَ مِنْ شَاةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَتَجَاوَزْ بِهَا شَاةً وَاحِدَةً‏;‏ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ثَمَنَ هَدْيٍ ابْتَاعَ بِهِ طَعَامًا كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏.‏

وَخَالَفَهُمَا أَبُو يُوسُفَ ‏,‏، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ‏,‏ فَرَأَيَا الْجَزَاءَ بِالْمِثْلِ كَمَا قَالَ سَائِرُ النَّاسِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَزُفَرَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ‏,‏ وَمُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ‏;‏ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ‏:‏ ‏{‏فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى‏:‏ فَجَزَاءُ قِيمَةِ مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ‏,‏ وَلاَ تَدُلُّ الآيَةُ عَلَى ذَلِكَ أَصْلاً، وَلاَ تَحْتَمِلُهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ‏.‏

وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الضَّبُعِ‏:‏ كَبْشٌ‏,‏ وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهَا قِيمَةً‏,‏ وَقَدْ وَجَدْنَا قِيمَةَ الْحَمَامَةِ الْهَادِيَةِ‏,‏ وَالْمُقِلِّينَ الْمُغَرِّدِ يَبْلُغُ عَشْرَاتِ الدَّنَانِيرِ‏,‏ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَكُونُ جَزَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْهَدْيِ أَكْثَرَ مِنْ جَزَاءِ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ وَالنَّعَامَةِ مِنْ الْهَدْيِ‏,‏ فَهَذَا مَعَ خِلاَفِ الْقُرْآنِ تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ‏.‏

ثُمَّ سَائِرُ تَقْسِيمِهِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ شَيْءٌ لَمْ يُحْفَظْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ قَبْلَهُ‏,‏ وَقَدْ وَقَفَ أَبُو يُوسُفَ أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْبَابَ قَدْ رُوِيَتْ فِيهِ آثَارٌ مُؤَقَّتَةٌ‏;‏ فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ وَقَالَ‏:‏ إنَّمَا نَتْبَعُ لِلْقُرْآنِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَوَاَللَّهِ مَا وُفِّقَ فِي هَذَا لاِتِّبَاعِ الْقُرْآنِ‏,‏ وَلاَ لاِتِّبَاعِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ‏,‏ وَقَدْ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَهُمْ ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَإِبْرَاهِيمَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا إطْلاَقٌ فَاسِدٌ إنَّمَا جَاءَ عَنْ إبْرَاهِيمَ‏,‏ وَعَطَاءٍ‏,‏ وَمُجَاهِدٍ‏:‏ أَنْ يُقَوِّمَ الصَّيْدَ فَقَطْ وَجَاءَ عَنْهُمْ خِلاَفُهُ‏.‏

وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ إلاَّ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فَقَطْ مِمَّا قَدْ خَالَفُوهُ كُلَّهُ وَلَقَدْ أَقْدَمَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ‏:‏ الْقِيمَةُ أَعْدَلُ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ كَذَبَ الآفِكُ الآثِمُ، وَلاَ كَرَامَةَ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ أَعْدَلَ مِنْ الْمِثْلِ مِنْ النَّعَمِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ‏,‏ بَلْ الْقِيمَةُ فِي ذَلِكَ جَوْرٌ وَظُلْمٌ‏;‏ وَإِنَّمَا هُوَ أَصْلٌ بَنُوهُ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ لَهُمْ فَاسِدٌ وَهُوَ أَنْ يَحْكُمَ فِيمَا أَتْلَفَ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ مِمَّا لاَ يُكَالُ‏,‏ وَلاَ يُوزَنُ بِالْقِيمَةِ لاَ بِالْمِثْلِ وَهَذَا رَدٌّ مِنْهُمْ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ‏,‏ وَمَا الْوَاجِبُ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلاَّ الْمِثْلُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَإِذْ قَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ التَّخَالِيطُ فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى الْقُرْآنِ وَمَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا حَكَمَ بِهِ الْعُدُولُ مِنْ الصَّحَابَةِ‏,‏ وَالتَّابِعِينَ رضي الله عنهم كَمَا أَمَرَ تَعَالَى بِاتِّبَاعِهِمْ هَاهُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏